رحيل البابا فرنسيس.. الفاتيكان يدخل مرحلة “الكرسي الشاغر” وسط ترقب عالمي لاختيار خليفة للكنيسة الكاثوليكية

الفيروز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

دخلت الكنيسة الكاثوليكية، اول أمس الإثنين، مرحلة مفصلية في تاريخها المعاصر بعد وفاة البابا فرنسيس، رأس الكنيسة الكاثوليكية والزعيم الروحي لما يقرب من 1.4 مليار مؤمن حول العالم. وبينما خيم الحزن على الفاتيكان، بدأت الاستعدادات لبدء المرحلة الانتقالية التي تسبق انتخاب بابا جديد، في حدث نادر يتكرر بعد سنوات طويلة، ويجري وفق طقوس وتقاليد صارمة تحددها الوثائق البابوية والدستور الرسولي.

وفاة البابا والإجراءات الأولية: نهاية عهد وبدء مرحلة جديدة

أُعلن عن وفاة البابا فرنسيس رسمياً في مقر إقامته بالفاتيكان، في مشهد بدا مختلفاً عن ماضي الكنيسة حين كانت إجراءات إعلان الوفاة تحمل طابعاً رمزياً أكثر تعقيداً. فبدلاً من الطرق على جبين البابا بمطرقة فضية كما جرت العادة في الماضي، أصبحت الإجراءات اليوم أكثر بساطة، ويكفي حضور طبيب معتمد وشهادة وفاة رسمية.

وبموجب ما ينص عليه الدستور الرسولي الذي وضعه البابا يوحنا بولس الثاني وعدّله البابا بنديكتوس السادس عشر، أُعلن “شغور الكرسي الرسولي”، وتولى إدارة شؤون الكنيسة مؤقتاً الكاردينال كيفن فاريل، بصفته “الكاميرلنغو” أو المسؤول عن إدارة الكنيسة في هذه المرحلة الانتقالية.

طقوس دقيقة ومهام مؤقتة

خلال هذا الفراغ القيادي، يُمنع على الكاميرلنغو أو أي من الكرادلة اتخاذ قرارات تمس جوهر العقيدة أو تغيّر من نهج الكنيسة، إذ يقتصر دورهم على تسيير الأمور الاعتيادية. كما تُقدَّم استقالات جميع مسؤولي الدوائر البابوية، على أن يُعاد تعيينهم أو يُستبدَلوا بعد انتخاب البابا الجديد.

تم نقل جثمان البابا الراحل إلى كاتدرائية القديس بطرس، حيث يُتاح للجمهور إلقاء نظرة الوداع الأخيرة. ومن المهام الرمزية التي تجري في هذا السياق كسر الخاتم البابوي المعروف بـ”خاتم صياد السمك” وختمه بالرصاص لمنع أي استخدام مستقبلي له.

وداع متواضع لبابا التقشف والإصلاح

كان البابا فرنسيس، خلال حياته، رمزاً للتواضع والابتعاد عن المظاهر الفخمة التي لطالما ارتبطت بالمنصب البابوي. وقد انعكس ذلك على ترتيبات جنازته، إذ أوصى بأن يُدفن في كنيسة سانتا ماريا ماجيوري في روما، في نعش خشبي بسيط، دون العرض المعتاد للجثمان على منصة مرتفعة داخل كاتدرائية القديس بطرس.

كما أجرى فرنسيس تعديلات على طقوس الجنازة البابوية في عام 2024، لتكون أقرب إلى رمزية الزهد والروحانية التي دعا إليها طيلة حبريته، متخلياً بذلك عن التوابيت المتعددة (من خشب السرو والرصاص والبلوط) التي استُخدمت مع الباباوات السابقين.

الكرادلة إلى روما: الاستعداد لـ “الكونكلاف”

في أعقاب الوفاة، يُستدعى جميع الكرادلة من حول العالم إلى روما، حيث تبدأ الاجتماعات العامة التي يشارك فيها الكرادلة من كل الأعمار، لكنها تسبق الحدث المركزي المنتظر: الاجتماع السري المغلق أو “الكونكلاف”، الذي يضم فقط الكرادلة الناخبين (من هم دون سن 80).

تعقد هذه الاجتماعات داخل كنيسة السيستينا، وسط إجراءات أمنية شديدة الصرامة، حيث يُمنع الكرادلة من استخدام الهواتف أو الإنترنت أو أي وسيلة تواصل خارجي. ويقيمون طيلة هذه الفترة في بيت القديسة مارتا داخل الفاتيكان.

الاقتراع وانتظار الدخان الأبيض

يجري يومياً اقتراعان لاختيار البابا الجديد، ويُشترط فوز أحد المرشحين بنسبة ثلثي الأصوات زائد واحد. وإذا تعذر التوافق بعد 13 يوماً، تُجرى جولة خاصة بين أبرز مرشحين. وتُحرق أوراق الاقتراع بعد كل جولة باستخدام مواد خاصة تُطلق دخاناً أبيض عند التوافق، أو أسود في حال الفشل.

وعندما يُنتخب البابا، يُسأل عما إذا كان يقبل المنصب، ثم يختار الاسم الذي سيعرف به خلال حبريته. يرتدي اللباس البابوي الأبيض، ويصعد إلى كرسي البابا في كنيسة السيستينا، حيث يتلقى التحية من الكرادلة الذين يعاهدونه بالولاء.

عندها، يخرج كبير الشمامسة (حالياً الكاردينال الفرنسي دومينيك مامبرتي) إلى شرفة كاتدرائية القديس بطرس ليعلن للحشود: “هابموس بابام” – أي “لدينا بابا”.

العالم يترقب: من سيقود الكنيسة بعد فرنسيس؟

يُتوقع أن تستغرق عملية الانتخاب ما بين أسبوعين وثلاثة، وربما تمتد أكثر إذا فشل الكرادلة في التوصل إلى توافق. وبينما لم تُعلن أسماء المرشحين البارزين حتى الآن، تُطرح تكهنات حول شخصيات محافظة وأخرى إصلاحية، في ظل تحديات معاصرة تواجه الكنيسة مثل قضايا الهجرة، الفقر، المساواة، والاعتداءات الجنسية.

وبينما تنتظر الجموع الدخان الأبيض، تبقى الكنيسة والعالم أمام لحظة فارقة قد تعيد رسم مستقبل المؤسسة الدينية الأعرق في التاريخ.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق