بعد أشهر من القتال العنيف، أعلنت الدول المعنية عن وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، في خطوة تاريخية تبعث الأمل في تحقيق السلام والاستقرار في منطقة تعاني من توترات مزمنة.
وجاء هذا الإعلان وسط التحديات الإقليمية المتزايدة، ليشكل تحولًا مهمًا في مسار الصراع المستمر منذ عقود.
وبموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه، يعكف الطرفان على وقف الأعمال الحربية، وهو ما يراه الكثيرون بداية لمرحلة جديدة قد تساهم في تهدئة الأوضاع في المنطقة.
دور الولايات المتحدة وأوروبا في التوصل للهدنة
الجهود الغربية، سواء من الولايات المتحدة أو من الاتحاد الأوروبي، كانت محورية في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل. الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أعلن في 26 نوفمبر 2024 أن الاتفاق سيدخل حيز التنفيذ صباح الأربعاء، مؤكدًا أنه سيتم تنفيذه بالكامل.
وشدد بايدن على أن القوات الأمريكية لن تكون جزءًا من أي عملية انتشار في جنوب لبنان، وأوضح أن إسرائيل تحتفظ بحق الدفاع عن نفسها في حالة خرق حزب الله للاتفاق.
وقال بايدن إن الاتفاق يدعم سيادة لبنان ويشكل خطوة نحو تحقيق الاستقرار فيه.
من جانبها، سعت الدول الأوروبية، بقيادة فرنسا، لدعم الهدنة وتقديم المساندة للبنان في تخطي الأزمات الاقتصادية والسياسية، بما في ذلك الأزمة الرئاسية والانعكاسات السلبية لانهيار العملة الوطنية.
مواقف داعمة للاتفاق
توالت مواقف الدعم لوقف إطلاق النار من مختلف الأطراف الدولية. المفوض الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، في 26 نوفمبر 2024، أكد ضرورة تنفيذ الاتفاق، مشددًا على أنه يوفر جميع الضمانات الأمنية اللازمة لإسرائيل.
ومن جهة أخرى، دعت المملكة المتحدة إلى إنهاء القتال بين إسرائيل وحزب الله، مع التأكيد على أن وقف إطلاق النار هو السبيل الوحيد لاستعادة الأمن والاستقرار في لبنان وفي شمال إسرائيل.
تفاصيل الاتفاق وتسويته
تتضمن التسوية المقترحة فترة انتقالية تمتد لـ60 يومًا، تنسحب خلالها القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، ويحل الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة المؤقتة “يونيفيل” محلها على الحدود.
كما يتطلب الاتفاق أن يحرك حزب الله قواته إلى شمال نهر الليطاني، ويُفترض أن يشارك كل من الولايات المتحدة وفرنسا في آلية الإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار.
لكن الاتفاق يواجه تحديات كبيرة، أهمها تحفظ إسرائيل على دور فرنسا في الآلية الثلاثية، بسبب مواقفها الأخيرة من قرار المحكمة الجنائية الدولية، فضلاً عن التحديات التي تواجه لبنان في نزع سلاح حزب الله في المنطقة.
تداعيات الاتفاق على لبنان والمنطقة
تأثيرات داخلية على لبنان
من المتوقع أن يسهم وقف إطلاق النار في تهدئة الأوضاع داخل لبنان، وقد يكون دافعًا لحل أزمة الفراغ الرئاسي التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عامين. رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، أعلن في 28 نوفمبر 2024 عن موعد جلسة انتخاب رئيس جديد في 9 يناير 2025، مؤكدًا أن هذا التطور جاء نتيجة للاتفاق الذي تم التوصل إليه.
من جانب آخر، قد يساهم الاتفاق في تقليص نفوذ حزب الله داخل لبنان، وهو ما قد ينعكس بشكل إيجابي على المشهد السياسي اللبناني المعقد.
الحرب الإسرائيلية على غزة
هناك أيضًا تداعيات مباشرة لوقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل على الوضع في غزة. وزير الخارجية الأمريكي،
أنتوني بلينكن، أشار إلى أن الاتفاق قد يساعد في إنهاء القتال في غزة، في وقت كانت تتزايد فيه الضغوط لإنهاء الحرب في القطاع.
تجدر الإشارة إلى أن المفاوضات في لبنان كانت قد تزامنت مع جهود أمريكية وإسرائيلية لوقف إطلاق النار في غزة.
تأثيرات داخلية في إسرائيل
على الجانب الإسرائيلي، يعتبر الاتفاق بمثابة رد فعل على الأوضاع الداخلية الصعبة التي يعاني منها الجيش الإسرائيلي في ظل استمرار الحرب مع حزب الله. رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أكد أن الهدف من وقف إطلاق النار هو تعزيز التركيز على التهديد الإيراني ومعالجة التحديات الأمنية الداخلية.
ومع ذلك، تشير التحليلات إلى أن قبول إسرائيل بوقف إطلاق النار قد يعكس عجزها عن تحقيق أهدافها العسكرية في لبنان، وسط مخاوف من أن يتحول النزاع إلى حرب استنزاف طويلة.
الخلاصة
يعد وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقرار الإقليمي، لكنه يظل هشًا ويعتمد بشكل كبير على تطبيق بنوده من قبل كافة الأطراف. يتطلب النجاح الكامل لهذه الهدنة تماسك الجبهة الداخلية اللبنانية، وحسم القضايا السياسية الكبرى، بما في ذلك الأزمة الرئاسية.
كما أن الهدنة قد تؤثر على توازنات القوى في المنطقة، وخصوصًا في علاقة لبنان بحزب الله من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، وهو ما قد يساهم في صياغة مستقبل أكثر هدوءًا في المنطقة إذا تم الحفاظ على هذه التفاهمات.
0 تعليق