مهما كنتَ محاطاً بهذا أو ذاك، ستشعر في معظم الأحايين بِوحدتك، وأمام واقع الأمر هذا، قد تتعلّم بالضرورة كيف عليكَ أنْ تحبَّ وحدتكَ بأناقةٍ واثقة، لأنّكَ تعرفُ أنّكَ ستمضي دائماً، وكأنّ ما كانَ لم يكن. وكأنّكَ في وحدتكَ أصبحت ترى ذاتكَ على نحوٍ لم يسبق لكَ أنْ رأيتها من قبل، تختال سطوعاً في مدارج الفكر، وتنسجُ من ثقتها كيانها المستقلّ، وتسمو بوجودها حرَّةً في أعالي الفهم، وتختار بعنايةٍ فائقة كلّ ما من شأنهِ أنْ يدفعها تخلّقاً وألقاً وإبداعاً نحو فرادتها المتميّزة.
إنّكَ في كلّ تجلّيات وحدتكَ الخلاّقة، إنّما تختار أسلوبكَ وطريقتكَ في تبنّي بدائلك المعرفيّة، تلك البدائل التي ترى من خلالها أنّكَ قد أحببتَ كثيراً نظرتكَ المستقلّة حول الأفكار والمفاهيم، وأحببتَ في الوقت نفسه جهدكَ المعرفيّ في تعالقاتكَ الحرَّة مع ما يجعلكَ خالقاً لفكرتكَ ونظرتكَ وفهمك.
لذلك تعرفُ أنّكَ تحبُّ وحدتك، لأنّها تحرّركَ من النظرة الشموليّة للحياة، وتدفعكَ تالياً إلى فهم ذاتكَ بناءً على كلّ تلك الأفكار التي صغتها تماهياً مع قدرتك على خلق واقعك الفكريّ المستقلّ، الواقع الذي يعزّز فيك التزامكَ الجميل بوحدتك التي وجدَّتَ فيها شغفك، وحريّتك، وعقلك ومتعتك، وتعيشها كما لو أنّكَ لم تعش سواها.
إنّك بالتأكيد تحيا في وحدتك سعيداً، لأنّكَ فيها ومن خلالها تكون صادقاً مع ذاتك، وصادقاً مع انشغالاتك الفكريّة، وصادقاً في اكتساب افهاماتكَ وفقاً لإرادتك الحرَّة.
لا تتملّق القطيع، ولا تتزلّف للسائد والشائع والمكرر، ولا تطربُ للتصفيق، ولستَ مِمّن يركضون خلف الأضواء الفاضحة الزائفة. إنّه فقط صدقكَ في وحدتكَ الملهمة، الذي يجعلكَ تبرع جيّداً في تفكيرك وتساؤلاتك، وتعرفُ في الوقتِ ذاته إنّه متى ما كنتَ سائراً في جموع الهاتفين بأفكار القطيع، ستفقد وحدتكَ الخلاّقة، وستفقد معها معرفتكَ بذاتك.
ولذلك ترعى وحدتك وتحميها من شرور الانقياد، وليس ذلك إلاّ تأكيداً من ذاتك الحرَّة على أنّ الجمال يسطع لامعاً في تداعيات عقلك الحر.
وسواءً أكنتَ هنا أو هناك، ستعرفُ دائماً ما الذي يُبقيكَ حرَّاً ومعطاءً وجميلاً في وحدتك. إنّه عقلك الطَّليق المستقلّ الذي يضعكَ في سلامة الموقف، لأنّه يملكُ أنْ يُخبركَ عن ثباتهِ الواثق في اختراع وجوده، وعن أنّ الحياة قائمة بكلّ تنويعاتها وألوانها في تفكيرك وكيانك. ولأنّه العقل الذي يستطيع أنْ يفهم وحدتكَ بكلّ ما فيها مِن جمال الفكر والإبداع، ويرعاها بالتفاني والإخلاص والحبّ، وتبقى أنتَ كما أنت مدفوعاً برغبتكَ الشديدة في حماية وحدتكَ الخلاّقة، ليس ترفاً أو تصنّعاً، أو تراجعاً، أو نفوراً من الآخرين، بل لأنّك تريد أنْ تستشعر دائماً بذاتك، وهيَ تسعى إلى تحقيق كينونتها الجوهريّة من خلال انفتاحها الحرّ على تجربتها الملهمة في تجلّيات الوحدة.
وإنّك إذ تخلق وحدتكَ، تخلق معها واقعكَ الفكريّ المستقلّ، لأنّك تبرع هنا في اقتناص المعنى من جدوى فرادتكَ الفلسفيّة، وفي الوقت نفسه تعرفُ أنّ الأصل في الوحدة إنّما هو الخَلق، خلق الفهم في ادراكات العقل، وهوَ الفهم الذي يمنحكَ رؤيةً أجمل لواقعك، ترى فيها ذاتك على نحو متجددٍ ومستقلٍ وخلاّق.
وفي كلّ ذلك تعتقد واثقاً أنّكَ تحمي وحدتكَ من التشويش والتمييع والانكسار، لأنّكَ تملك قدرتك على فهمها وفقاً لإرادتك العقليّة في تعزيز اختيارك الحرّ سبيلاً إلى ذاتكَ في اختبار التفرَّد، وكم في هذا التعالق البديع مع وحدتك، تمضي متخفّفاً من اكراهات الثقافات التي تريدكَ خاضعاً لِهيْمنتها التلقينيّة واليقينيّة.
الوحدة في فلسفة الإنسان الحرّ، لا تعني أبداً الانغلاق والتقوقع والهروب، بل تعني تحديداً قدرته على خلق كيانهِ المستقلّ، وتقصّي فضائلها بمتابعة ما يحبُّ أنْ يراه جميلاً وخلاّقاً في فكره وتفكيره وجهده. إنّه هنا يستدعي انفتاحه الحرّ على تجربته الفكريّة، حيث يستطيع أنْ يرى فيها جمال التعالق مع أفكاره من دون أنْ يقع في سذاجة التفسيرات الجاهزة، ويراها في الوقت ذاته باعثة على صقل مهاراتهِ الذاتيّة في التلقائيّة الخلاّقة، والتعبيرات الحرَّة، والارتجال الملهم والإبداع المتميّز.
كاتب كويتي
0 تعليق