شكرنا تركيا، أمس، على موقفها في دعم الثورة السورية، وفسحها في المجال كي تعمل بقوة على إسقاط النظام الذي لا يزال العالم الإسلامي مندهشاً من الوحشية التي مارسها على شعبه.
فالمشاهد التي لا تزال تخرج من السجون والمعتقلات والعذابات، ولا يمكن لعاقل أن يبررها مهما كانت الأسباب، غير أمر واحد، وهو ممارسة الإبادة ببطء، لهذا، فإن أعداد ضحايا السجون لا تزال تزداد، فيما إلى اليوم لم يُكشف عن كل المقابر الجماعية التي كان يدفن فيها السجناء.
حكاية سورية خلال نصف قرن ليس من السهل اختصارها في بضعة أسطر، ولا بعض الكتب، إنها تاريخ طويل من الوحشية، وكذلك الفساد الذي اخترعته آلة "حزب البعث"، زبانيته، ودولة تُصدر العنف وتجار الطائفية الشيطانيَّين.
هؤلاء لم يكتفوا بقمع أحلام الناس، ولا التعذيب لمجرد الشبهة، إنما مارسوا دمويتهم، وكذلك السرقة لإشباع غرائزهم، وكما يقال بالعامية في بلاد الشام "على عينك يا تاجر"، فكان الفاجر يأكل حلال المواطن، الذي عليه ألا ينبس ببنت شفة.
طوال العقود الماضية، خصوصاً في الـ25 عاماً الماضية، كانت هناك عصابات متخصصة في سرقة تعب الناس، سوريين وخليجيين وعرباً، وفي الأمس القريب، نشرت بعض وسائل الإعلام السورية أسماء بعض هؤلاء، فيما لدينا الكثير من الوثائق التي تدين بعضهم، الذين سطوا على أملاك وأموال الناس لأنهم كما كانوا يقولون "إن سنداً لهم من أركان النظام".
لهذا، فإن ميزان المحاسبة لا بد أن يكون دقيقاً كي لا تترك المرحلة الماضية أي أحقاد، أكان عند السوريين أو العرب أو الخليجيين، فسورية الجديدة يجب أن تقوم على العدل والتسامح، وعلى قوى الثورة والائتلاف الوطني، والإدارة الجديدة، العمل على نيل أصحاب الحقوق حقوقهم، وإعادة الأملاك إلى أصحابها.
وإذا كان هذا يحقق للسوريين الاستقرار، وينزع عنهم الأحقاد التي زرعها النظام البائد، فإن ذلك لن يكتمل إلا إذا جيء بأركانه إلى المحاسبة، من هنا يأتي دور روسيا، والرئيس فلاديمير بوتين، الذي لا بد أنه شاهد بعض الفظائع التي ارتكبها الجزار الهارب، كي يسلمه إلى السطات السورية، في دمشق لينال عقابه، ويسجن في سجن صيدنايا، ويقبع فترة في كل زنزانة، كي يعيش أيام الرعب والعذاب، والجوع والعطش والمرض الذي عاشه الآلاف من السوريين والعرب الذين رماهم الحظ العاثر في طريق مخابرات نظامه.
نعم، كان كل ذلك يجري تحت بصر وسمع المنظمات الدولية، التي تعاطت مع الأسد بنوع من المجاملة، على أمل أن يرعوي، إلا أنه كان يمعن في الوحشية.
ولهذا، فإن اليوم الرهان على روسيا، هذه الدولة الكبيرة، التي يحكمها القانون، ورئيسها محبوب من شعبه، لا يمكنها أن تغض الطرف عما مارسه بشار الأسد، لذا كما كانت تركيا مؤمنة بالقضية السورية، وناصرتها، على روسيا كي تكفّر عن ذنبها بدعم الجزار، أن تعيده إلى دمشق، فالشعب السوري العظيم، يحتاج اليوم إلى كل الدعم، واستقرار سورية والمنطقة يبدأ من محاسبة الرئيس الهارب وجيشه الملاصق له، على ما اقترف من فظائع.
لا شك أن العالم تغير منذ بدء الحرب الروسية- الأوكرانية، والحروب التي شهدها الشرق الأوسط أثبتت النتائج أن العدالة هي الحل، وليس الانتقام، وهذا ما يأمله السوريون والعرب من الرئيس بوتين، كي لا يشعل نار الانتقام في سورية وتعمّ المنطقة، فهل يفعلها، كي يكون الشكر أيضاً لروسيا بعد تركيا؟
- أحمد الجارالله
0 تعليق