حكايات وقصص إنسانية لسوريين هربوا من جحيم الحرب فى سوريا، منذ سنوات، للإقامة فى مصر التى احتضنتهم ورحبت بهم عن حب ووجدوا فيها الوطن الثانى، لم يتعرضوا لأى مضايقات ولم يشعروا بالغربة أبدًا، والكثير منهم تزوج من مصريين وأصبحت لديهم عائلات وصاروا جزءًا من نسيج هذا الوطن.
ومع تزايد الأحاديث عن مصير اللاجئين السوريين وإمكانية عودتهم إلى وطنهم بعد سنوات من الحرب والنزوح بعد سقوط نظام بشار الأسد، فإن عددًا من السوريين أكدوا، لـ«الدستور»، أنه سيكون من الصعب عليهم ترك مصر على الفور بعد الذكريات التى كونوها خلال السنوات الماضية.
لبنى محمد: جئت وعمرى ١٦ سنة وتزوجت مصريًا الآن.. وسأعيش هنا مع عائلتى الجديدة
لبنى محمد، شابة سورية، بالغة من العمر ٢٧ عامًا، جاءت إلى مصر فى عام ٢٠١٣ مع أسرتها هربًا من جحيم الحرب، وكانت رحلتها من دمشق للقاهرة مغامرة كبيرة محفوفة بالمخاطر.
وقالت إن الفترة الماضية من حياتها كانت صعبة جدًا، إذ اضطرت للانتقال من مرحلة الطفولة «اللا مسئولية» فى وطنها إلى مرحلة تحمل المسئولية فى بلد جديد، مؤكدة أن حياتها فى مصر كانت بمثابة نافذة أمل وفرصة للنجاح والتطور.
وأضافت: «التحقت بمدرسة مصرية وأكملت دراستى حتى اجتزت امتحانات الثانوية العامة بنجاح وتفوق، وهو ما فتح أمامى أبواب جامعة حلوان لدراسة الإعلام بكلية الآداب».
لم تكن الحياة الجامعية للبنى، لكنها كانت فرصة لاكتساب مهارات جديدة، تقول: «الإعلام منحنى فرصة لفهم الحياة بشكل أوسع، وساعدنى على التعبير عن نفسى».
وتابعت أنها «إلى جانب الدراسة، عملت فى وظائف جزئية لدعم أسرتى، واستطعت بفضل شخصيتى المثابرة أن أجد قبولًا وترحيبًا من المصريين الذين فتحوا لى أبوابهم وقلوبهم»، مضيفة: «لم أشعر بالغربة هنا، المصريون كانوا كالأهل لى جعلونى أعيش كواحدة منهم، ولم أشعر يومًا بأننى غريبة بينهم».
لكن ربما أبرز ما حدث لـ«لبنى» فى مصر كان لقاءها بالشاب المصرى الذى أصبح فيما بعد زوجها. تقول: «قابلت زوجى، وشيئًا فشيئًا تطورت العلاقة بيننا إلى حب، حتى تزوجنا واخترنا الاستقرار فى مصر».
هذا الزواج لم يكن مجرد خطوة شخصية، بل هو قرار يعكس عمق ارتباط لبنى بمصر، حيث أصبحت ترى فيها وطنها الثانى. وتقول: «لا أفكر فى العودة إلى سوريا، ليس لأننى لا أحب بلدى، بل لأن حياتى أصبحت هنا، مصر ليست مجرد مكان، بل أصبحت جزءًا منى ومن هويتى».
واختتمت: «سوريا ستبقى دائمًا بلدى الأم، لكن مصر هى التى منحتنى فرصة الحياة من جديد، وكونت فيها عائلتى الجديدة، العودة ليست قرارًا سهلًا، لكنه بالنسبة لى ليس خيارًا الآن».
محمد حسن: قرار «مستبعد جدًا»
يعيش محمد حسن فى مصر منذ عام ٢٠١٩، بعد أن حاول اللجوء لأكثر من بلد أوروبى دون فائدة وقال: «منذ ذلك التاريخ وأنا أشعر بالأمان هنا وكأننى ما زلت فى سوريا».
وأضاف: «هناك كثيرون ذهبوا إلى بلدان مختلفة غير مصر، لكنهم لم يستقروا فيها، أما مصر فالبلد الوحيد الذى رحب بالسوريين بشكل كبير، لذلك لا أعتقد أن أحدًا سيعود، لأن الجميع شعر هنا بالوطن والعيش المشترك، وهو ما نفتقده فى سوريا».
محمود عراقى:لا أفكر فى الرجوع
محمود عراقى، سورى يقيم فى مصر منذ سنوات، يقول: «مصر بلد عربى شقيق وعزيز على قلب كل سورى، وامتزجت دماؤنا منذ سنوات على تراب أرض فلسطين، وكانت محتضنة لكل السوريين خلال السنوات الماضية وكنا نشعر بأننا ما زلنا فى وطننا سوريا».
وأضاف: «عندما بدأت الثورة وحدث ما حدث من حروب وشهداء فى سوريا كلها، وبدأت عمليات التهجير، من الداخل إلى الساحل، استقبلت مصر السوريين بكل رحابة، ورحبت بإقامتهم على أرضها، وكذلك إقامة المشاريع التى بسببها نستقر فى مصر خلال الوقت الحالى».
وتابع: «مصر منذ قديم الأزل وهى تحتضن كل اللاجئين من الوطن العربى بأكمله، ولمدة ٦ سنوات أعيش أنا وأسرتى هنا ولا نفكر فى ترك مصر حتى بعد سقوط نظام بشار الأسد، لأن القادم لن يكون الأفضل على شعب سوريا».
نجلاء: زيارتى القاهرة تحولت إلى إقامة دائمة.. ومصر وطنى الثانى
فى زحام الحكايات التى تنسج من قلوب اللاجئين السوريين، تأتى قصة «نجلاء. ع»، البالغة من العمر ٤٥ عامًا، لتروى فصلًا فريدًا من فصول الأمل والحب وسط أجواء المأساة فى سوريا على مدار السنوات الماضية، فعلى مدار عشرين عامًا، استطاعت أن تجد فى مصر وطنًا ثانيًا، تخلق فيه حياة جديدة بعيدًا عن وطنها الأم.
كانت نجلاء تبلغ من العمر ٢٥ عامًا عندما جاءت إلى مصر فى زيارة قصيرة إلى أقاربها، قبل أن تندلع الحرب السورية، قائلة: «لم أكن أتخيل أن الزيارة ستتحول إلى إقامة دائمة، حيث وجدت نفسى أعيش تجربة مختلفة تمامًا عندما قابلت شابًا مصريًا وتطورت العلاقة بيننا إلى زواج».
وأضافت: «كان زواجى بداية جديدة لى، وقررت أن أبقى فى مصر لأبدأ حياتى هنا، وأصبحت أمًا لأربعة أبناء، أجد فيهم امتدادًا لحياتى الجديدة فى مصر».
ورغم ارتباط نجلاء بمصر، فإن الغربة لم تكن سهلة، فوالدها ووالدتها ظلا فى سوريا خلال سنوات وجودها الأولى فى مصر، ومع تصاعد الحرب وتدهور الأوضاع هناك، اضطرت إلى جلب والدها إلى مصر لعلاجه، بعدما اشتد عليه المرض.
تقول نجلاء: «عندما جاء أبى إلى مصر، استقبلناه وعالجناه، وجرى التعامل معه معاملة طيبة كأنه مواطن مصرى، المصريون لا يفرقون بين أحد، وهذه معاملة لن أنساها أبدًا».
رغم محاولات علاج والدها، لم يمهله القدر طويلًا، ورحل عن عالمنا فى مصر، وعن ذلك، تقول نجلاء: «لم نستطع أن ندفنه فى سوريا بسبب الظروف الصعبة هناك، فدفناه هنا فى مصر، كان الأمر صعبًا، لكن المصريين وقفوا بجانبى كأهلى».
وعلى مدار عشرين عامًا، استطاعت نجلاء أن تبنى علاقة عميقة مع المجتمع المصرى. تقول: «المصريون عاملونى كأننى واحدة منهم، لم أشعر بالغربة يومًا، بل فتحت لى الأبواب، واحتضنونى كأهل»
أطفالها الأربعة يمثلون الجسر الذى يربطها بين ثقافتيها السورية والمصرية، وتوضح: «أُعلم أبنائى حب سوريا ومصر معًا، فهم ينتمون إلى ثقافتين عريقتين، وأنا فخورة بذلك».
ورغم استقرارها التام فى مصر إلا أن الحنين إلى الوطن لا يغيب عن قلب نجلاء، حيث أوضحت: «إذا استقرت الأوضاع فى سوريا، بالطبع سأزور أهلى هناك وأصطحب أبنائى ليروا وطن أمهم ويتعرفوا على عائلتى السورية»، مؤكدة أنها فى الوقت الحالى لا تفكر فى العودة الدائمة إلى سوريا، حيث أصبحت مصر وطنها الذى احتضنها، وشهد بناء حياتها وأسرتها.
ثابت حسان: الوضع فى سوريا «غامض».. ومصير البلد «مجهول»
يقيم ثابت حسان فى مصر منذ العام ٢٠١٥، ولا ينوى العودة الآن إلى سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، بسبب وجود عمله وأهله فى مصر طوال تلك السنوات، يقول: «أصبحت المعيشة هنا مستقرة منذ سنوات لا نستطيع التغيير فى الوقت الحالى، لا سيما أن سوريا مصيرها مجهول الآن».
وأضاف: «كنت أعمل قبل الحرب مصورًا صحفيًا، لكن أصبت فى قدمى إصابة شديدة منعتنى من ذلك العمل، ولجأت إلى مصر، أنا ثم أسرتى، وهنا بدأت مشروعًا خاصًا، واستقرت أسرتى فى منطقة ٦ أكتوبر، لذلك لا نفكر فى العودة الحالية إلى سوريا».
وتابع: «الوضع الآن مجهول، لا نعرف ما المصير الذى ينتظر سوريا فى الوقت الحالى، هل سيعود الجيش أم ستجرى انتخابات ولمن سيكون الحكم؟ الأمور كلها ضبابية بعض الشىء لا يمكن حسم هذا المصير فى الوقت الحالى».
0 تعليق