واليوم تعيش المنطقة سياقات سياسية وعسكرية مختلفة، أفضت إلى توسع دولة إسرائيل ووضوح قوتها العسكرية في ظل الدعم الغربي الكلي، وتراجع المحور الروسي الإيراني في المنطقة، وهو ما وضحت نتائجه في سوريا على وجه الخصوص، الأمر الذي يفرض على القادة السياسيين والعسكريين في اليمن العودة إلى طاولة المفاوضات بروح صادقة وعقل جديد، فالكل خاسر في الوضع الراهن، والضحية هو اليمن بإنسانه ومقدراته وحاضره ومستقبله.
في هذا السياق لم يعد خافيا على أي مراقب شكل وصيغة خيارات المرحلة القادمة الذي يمكن أن يعيشه اليمن بوجه عام، ولعل أول خيار هو تجدد الاقتتال بين شركاء الوطن، لا سيما مع تراجع المد الإيراني والروسي من خلفه؛ في حين يتجه الخيار الثاني صوب التقسيم إلى كتل مستقلة في المناطق الجنوبية من اليمن التي لها سابقة في ذلك على عهد الاحتلال البريطاني؛ ويمكن أن يدخل الشمال اليمني في حالة من الاقتتال الأهلي جراء ما يعيشه من ضغط اقتصادي خانق، ومركزية دينية برؤية لا تتسق مع روح النسق الديني التقليدي في اليمن الزيدي والشافعي.
كل هذه الخيارات ليست في صالح اليمن حاضرا ومستقبلا، كما لن تكون في صالح الإقليم جملة، وهو ما يفرض على القادة اليمنيين أن يعودوا إلى حكمتهم، ويبدؤوا مسارا جديدا من الحوار البناء، بعيدا عن المناكفات والمماحكات والاستقواء بما تحقق لكل منهم من مكاسب، على أن ذلك لا يكتمل إلا بالتوقف عن كل ما يدمر وحدة الشعب اليمني جراء ما تداوله الفرقاء من خطاب إقصائي عرقي ومذهبي ومناطقي.
أشير ختاما إلى أن خارطة الشرق الأوسط السياسية اليوم تمر بمرحلة عصيبة قوامها الاستقواء الإسرائيلي المطلق، في ظل ما تعيشه المنطقة العربية من تشتت وفرقة، وكأننا نعيش أحداث عشرينيات القرن الماضي حين استغل اليهود تشتتنا وضعفنا بمؤازرة بريطانية ورضا فرنسي، فاحتلوا جزءا من الأرض الفلسطينية وأقاموا عليها دولتهم بعد قتلهم وتهجيرهم قسرا للفلسطينيين؛ وأخشى أن التاريخ يعيد نفسه اليوم حيث تقضم إسرائيل عديدا من الأراضي العربية في سوريا، وتستفيد من حالة الفرقة والاقتتال في المنطقة العربية بوجه عام، ويأتي اليمن على رأس أولوياتها لتنتقم منه وتدخله في أتون نفق أكثر ظلمة مما هو فيه الآن، والله المستعان.
0 تعليق