تعد الصلاة في جماعة من أهم الأعمال التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، ومن أهم جوانب الصلاة الجماعية هي تسوية الصفوف بين المصلين، في كثير من الأحيان، نسمع الأئمة في المساجد يقولون: "سووا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة، وإن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج"، ولكن هل هذا الحديث صحيح؟
حديث "إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج"
بعد البحث والتدقيق في الأحاديث النبوية الشريفة التي وردت في كتب السنة، تبين أن عبارة "إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج" لا يوجد لها أي سند صحيح في الأحاديث المعتبرة.
من المعروف أن هذه العبارة شائعة بين الناس وعلى ألسنة بعض الأئمة في المساجد، لكنها في الحقيقة لا توجد في كتب الحديث الصحيحة ولا الضعيفة.
وقد أكد الشيخ محمد بن صالح العثيمين في كتابه الشرح الممتع أن هذا الحديث ليس له أصل صحيح، وأنه مجرد قول شائع لا يعتمد عليه في الفقه. كما أضاف الشيخ مشهور حسن في كتابه القول المبين في أخطاء المصلين أنه لا يوجد لهذا الحديث أي أساس من الصحة.
لكن ذلك لا يعني أن تسوية الصفوف في الصلاة أمر غير مهم. بل على العكس، تسوية الصفوف تعتبر من السنن الثابتة في الإسلام، وقد وردت في العديد من الأحاديث الصحيحة التي حث فيها النبي صلى الله عليه وسلم على ضرورة تسوية الصفوف في الصلاة. فقد قال صلى الله عليه وسلم: "سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة" (متفق عليه). هذا الحديث يؤكد على أهمية توازي الصفوف وتسويتها قبل أن يبدأ الإمام الصلاة، حيث إن هذه التسوية تُعتبر جزءاً من إتمام الصلاة بشكل صحيح.
الأحاديث التي توضح كيفية تسوية الصفوف
وعن هذه القضية، يذكر العديد من الأحاديث التي توضح كيفية تسوية الصفوف وضرورة ذلك. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يصلي بالناس، تقدم إليهم وقال: "تراصوا واعتدلوا" (متفق عليه). وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على ترتيب الصفوف قبل الصلاة.
وفي حديث آخر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "سووا صفوفكم، وحاذوا بين مناكبكم، ولينوا في أيدي إخوانكم، وسدوا الخلل فإن الشيطان يدخل فيما بينكم" (رواه أحمد). في هذا الحديث، نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يوجه الصحابة إلى ضرورة التسوية التامة بين الصفوف، بل ويوضح أن أي خلل بين المصلين في الصفوف قد يكون مدخلًا للشيطان ليؤثر على الصلاة.
كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر قوله: "أتموا الصف الأول ثم الذي يليه، فإن كان نقص فليكن في الصف المؤخر" (رواه أحمد). ويعني بذلك أن الصف الأول هو الأكثر أهمية، ويجب أن يتم حجزه للمصلين الأكثر حرصًا على الصلاة، بينما في حال وجود نقص في الصفوف يمكن أن يكون في الصفوف الخلفية.
من الأحاديث الأخرى التي تبين أهمية تسوية الصفوف قوله صلى الله عليه وسلم: "لتسونَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم" (متفق عليه). في هذا الحديث، نجد تحذيرًا شديدًا من النبي صلى الله عليه وسلم لمن يتهاون في تسوية الصفوف، ويُظهر ذلك أهمية التسوية في تمام الصلاة وصحتها.
الهدف من تسوية الصفوف في الصلاة
والهدف من تسوية الصفوف في الصلاة ليس فقط الحفاظ على الانضباط والنظام بين المصلين، بل يتعدى ذلك إلى أن هذه التسوية تمثل صورة من الوحدة والترابط بين المسلمين. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟" فقال الصحابة: "كيف تصف الملائكة عند ربها؟" فقال صلى الله عليه وسلم: "يتمون الأول ويتراصون في الصف" (رواه مسلم وغيره). وهذا يدل على أن التسوية والتراص في الصفوف يعتبران من صفات الملائكة، ويجب أن يحاكي المسلمون هذا النظام في صفوفهم أثناء الصلاة.
وبذلك، يتضح أن القول "إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج" لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأي شكل من الأشكال، ولكن يجب على المسلم أن يلتزم بتسوية الصفوف في الصلاة، وأن يحرص على الاتصال التام بين الصفوف والتراص في الصلاة، كما ورد في العديد من الأحاديث الصحيحة.
0 تعليق