كشف تحقيق لصحيفة «نيويورك تايمز» عن مدى تغلغل جواسيس جهاز «الموساد» في صفوف «حزب الله»، وتفاصيل دورهم في أهم العمليات الإسرائيلية ضد الحزب.
ووفق التقرير، جند «الموساد» جواسيس لزرع أجهزة تنصت في مخابئ الحزب، وتتبع اجتماعاته السرية، وكان لديه اطلاع شبه دائم على تحركات جميع القادة بما في ذلك الأمين العام السيد حسن نصرالله الذي اغتالته إسرائيل في سبتمبر العام 2024.
وأفاد التقرير بأن حملة إسرائيل ضد الحزب، والتي تضمنت تفجير أجهزة النداء الآلي المعروفة بـ«البيجر» واغتيال كبار قادة الحزب مثل قائد المجلس العسكري فؤاد شكر وخلفه إبراهيم عقيل، ومقتل آلاف اللبنانيين وتشريد أكثر من مليون، أدت إلى إضعاف أحد أهم «خصوم إسرائيل وتوجيه ضربة إستراتيجية لإيران».
واستند الكاتب والمراسل الاستقصائي المختص بالاستخبارات والشؤون الخارجية مارك مازيتي، والمراسلة المختصة بالتكنولوجيا شيرا فرنكل، وكاتب الصحيفة من إسرائيل رونين بيرغمان، إلى مقابلات مع أكثر من 20 مسؤولاً إسرائيلياً وأميركياً وأوروبياً حاليين وسابقين، تحدثوا شرط عدم الكشف عن هوياتهم.
اغتيال نصرالله
وكشف التقرير أن نصرالله لم يكن يعتقد أن إسرائيل ستغتاله... ورغم أن مساعديه حثوه على تغيير موقعه إلا أنه تجاهلهم، و«بقي في حصنه 40 قدماً تحت الأرض حيث قتل».
ووفقاً لمعلومات استخباراتية جمعتها إسرائيل وشاركتها لاحقاً مع حلفائها الغربيين، لم يدرك قائد الحزب أن وكالات التجسس الإسرائيلية كانت تتعقب كل تحركاته لسنوات.
وفضلت القيادة الإسرائيلية عدم إبلاغ الولايات المتحدة قبل الضربة -حسب التقرير- وذلك تحسباً لأي اعتراض محتمل، ولكنها كانت واثقة من الدعم الأميركي في حال الرد الإيراني.
حرب 2006 نقطة تحول
وأكد التقرير أن حرب 2006 بلبنان كانت «مهينة» لإسرائيل، وأدت إلى فتح لجنة تحقيق واستقالات كبار الجنرالات وإعادة تقييم نهج الجهاز الاستخباراتي تجاه الحزب، مع التركيز على تحسين جمع البيانات ودقة العمليات.
وجند «الموساد» أفراداً كانوا يشغلون مناصب حيوية في جهود إعادة بناء هيكل الحزب بعد الحرب، وفق 10 مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، وقدم هؤلاء المخبرون معلومات مهمة عن منشآت الحزب السرية ومخابئ الأسلحة وتحركات القيادة.
ولفت التقرير إلى أن إسرائيل كانت ومازالت تشارك هذه المعلومات مع الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.
وبحسب مسؤولين مطلعين في وزارة الدفاع، كان لدى إسرائيل أقل من 200 «ملف استخباراتي» عن قادة الحزب وذخائره حين انتهاء حرب 2006، ولكن بحلول هجمات البيجر في سبتمبر 2024 وصل عدد الملفات لعشرات الآلاف.
الوحدة 8200
عام 2012، حصلت الوحدة الاستخباراتية 8200 على «كنز» من المعلومات التي تضمنت أماكن وجود قادة الحزب ومخابئهم، بالإضافة لمواقع الأسلحة والصواريخ، حسب ما نقله 5 مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين في وزارة الدفاع ومسؤولين أوروبيين.
وزار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مقر الوحدة في تل أبيب بعد وقت قصير من العملية، وخلال الزيارة استعرض رئيس الوحدة المعلومات بفخر، وطبعها ثم صفها فوق بعضها ووقف إلى جانبها، ثم التفت إلى نتنياهو، وقال «يمكنك الآن مهاجمة إيران»، وفقاً لمسؤولين على دراية بالاجتماع، بيد أن إسرائيل فضلت التريث وتنقيح المعلومات وتنميتها، لتكون جاهزة في حال نشوب حرب مع «حزب الله».
«ووكي توكي» و«البيجر»
وأكد التقرير أن «الموساد»، بالتعاون مع الوحدة 8200، أجرى عملية استمرت أكثر من 10 سنوات لاختراق شبكة اتصالات الحزب عن طريق توريد أجهزة اتصالات مفخخة عبر شركات وهمية إسرائيلية.
وعام 2014، بدأت إسرائيل في صنع أجهزة اتصال لاسلكي (ووكي توكي) مقلدة من طراز «آي سي-في 82» والتي كان الحزب يعتمد عليها قبل أن توقف شركة «آي كوم» اليابانية تصنيعها.
وقال مسؤولون للصحيفة إنه تم تهريب النسخ الإسرائيلية المفخخة إلى لبنان، وتسلم الحزب أكثر من 15 ألف وحدة بحلول 2015.
وعام 2018، تقدمت ضابطة إسرائيلية بخطة اختراق البيجر، إلا أن مسؤولين رفضوها لقلة انتشار الجهاز، وفق التقرير.
ولكن بعد تزايد شكوك الحزب تجاه استخدام الهواتف واعتماده على البيجر، باشر «الموساد» استهداف شركة «غولد أبول» التايوانية المعروفة بتصنيع الأجهزة، وحصل على تراخيص لشركات إسرائيلية وهمية دولية، وأنتج عبرها نماذج أجهزة بيجر مخصصة تم تسويقها للحزب بناء على مقوماتها العسكرية.
وقد واجهت هذه العملية مخاطر عندما بدأ خبراء تقنيون داخل «حزب الله» بالشك في تعرض أجهزة البيجر للاختراق، وذكر التقرير أن إسرائيل «تخلصت بسرعة من أحد هؤلاء الخبراء بغارة جوية».
وتابع التقرير أنه في أغسطس 2023، كتب رئيس «الموساد» ديفيد برنياع رسالة سرية إلى نتنياهو، دعا فيها إلى شن حملة لشل قدرات الحزب الصاروخية ومنشآته الحدودية. وبعد أسابيع، ومع وجود معلومات استخباراتية تشير إلى أن الحزب كان يرسل أجهزة البيجر إلى إيران لتحليلها، أذن نتنياهو بتفجيرها.
وبرأي الكتاب، يظهر التركيز الاستخباراتي المكثف على «حزب الله» أن القادة الإسرائيليين كانوا يعتقدون أنه يشكل تهديداً وشيكاً لإسرائيل، ولكن الهجوم المباغت جاء من طرف حركة «حماس» والتي اعتقدت الاستخبارات الإسرائيلية أنها لا تملك «لا المصلحة ولا القدرات» لمهاجمة إسرائيل.
0 تعليق