كانت القاهرة تحتفل بمرور الذكرى الألفية لبناء قاهرة المعز لدين الله الفاطمى سنة 1969، وقتها صدرت الترجمة العربية من كتاب «القاهرة» للمستشرق الإنجليزى «ديزموند ستيوارت» أستاذ الأدب الإنجليزى في كلية الآداب فى بغداد، وبعد أن نفدت طبعته صدرت الطبعة الثانية منه عام 1987 عن دار المعارف؛ والذى كتب مقدمته كل من عالم الجغرافيا الدكتور جمال حمدان، والأديب والمترجم يحيى حقي.
وتُعد مقدمة الدكتور جمال حمدان لهذا الكتاب من أهم مقدماته لكونها أضفت عمقًا لهذا الكتاب الذى غلب عليه الطابع الانفعالى لكاتبه الإنجليزي عند تسجيله أبرز الشواهد في القاهرة.. وإليكم أبرز ما جاء في مقدمته لهذا الكتاب.
ويستهل جمال حمدان، مقدمته لهذا الكتاب بالتأكيد على أنه إذا عدت المدن العواصم العظمى في العالم، فالقاهرة واردة بالتأكيد فى العشرة الأولى أو العشرة ونيف. وهي المدينة الأولى - المطلقة - فى قطاع هائل متصل من العالم القديم قد يجاوز ثلثه مساحة ويتعدى آفاق القارة الأفريقية إلى تخوم الألب ووسط آسيا. بل إن بضعة لا يستهان بها من الدول الأفريقية لتقل سكانا - سكان كل منها أقصد - عن حجم القاهرة كثيرا أو قليلا، وذلك حتى دون أن نذكر أن القاهرة تستأثر وحدها بنحو نصف سكان العواصم الأفريقية الخمسين مجتمعة !
ويتابع جمال حمدان؛ وأما إذا اعتبرنا الوزن الحضاري والنفوذ السياسي والموقع والإشعاع القومي والفكرى، فما من عاصمة في دولتها ما للقاهرة من نقل ومركزية طاغية وسيطرة أو توجيه، بل وإلى حد الإفراط ربما. ولقد يختلف علماء المدن حول السؤال القديم: هل العواصم هي أكبر وخير ما يمثل ويجسم روح بلدها وكيانه، وذلك باعتبارها بوتقة تنصهر فيها عناصره وأقاليمه، أم هي بطبيعتها العالمية الكوزموبوليتانية بالضرورة وبما تضم من جاليات وأجناس أجنبية وبما تتطلع دائما إلى الخارج تؤلف بينها طبقة «كاستية خاصة من المدن فى العالم أشبه ببعضها البعض منها بصميم أقطارها المحلية؟ مهما اختلف فلا خوف في حالة القاهرة، ولا يمكن له أن يقوم فهاهنا عاصمة تستقطر وتستقطب روح الوطن وترمز إلى جوهر كيانه حضاريًا وماديا، جغرافيا وتاريخيا، ربما الرد. كما لا تفعل عاصمة أخرى.
ويستطرد جمال حمدان، هذه إذن هي القاهرة: تاريخ مفعم مجمد أو محفوظ كل حجر فيها مشبع بعبق الماضى وعرقه، كل شبر منها يحمل بصمات الإنسان. إنها – كبيت جماعي كبير، وكمنطقة مبنية لا مثيل لكتلتها في مصر مقياس ضخم مهندسه وساكنه هو المصرى، وهي بهذا أكثر أو أكثف رقعة من اللاندسكيب الحضاري في مصر تبشيرا» وحملا للطابع البشرى، وبنفس الدرجة أبعدها عن ملامح الطبيعة الخام واللاندسكيب الطبيعي الغفل للوادي".
0 تعليق