نجيب المانع ذو الأصول السعودية ولد في1345ه/ 1926 م ببلدة الزبير في محافظة البصرة، ودرس الابتدائي في مدرسة النجاة الأهلية التي عززت ملكته اللغوية والأدبية، وقال عنها في مذكراته: "مدرسة النجاة الأهلية في الزبير، هي ابتدائية بالاسم فقط، أما المواد التي تدرس فيها فهي تتجاوز أعمار الصبية بسنين كثيرة...كانوا يدرسون أدق قضايا النحو العربي، ويتبحرون في الشعر وأوزانه وتفعيلاته، ويمارسون المحاسبة التجارية ويتعلمون التاريخ الذي كان مستواه يقرب من المستوى الجامعي، وكانوا يدرسون الفقه والشريعة وتفسير القرآن الكريم".
كان نجيب المانع يشتري في صغره بقايا الكتب الأدبية الأجنبية التراثية وأسطوانات موسيقية أجنبية حيث كان يبيعها ضباط وجنود قاعدة الشعيبة التابعة للجيش البريطاني، فاكتسب نجيب المانع اللغةَ الإنجليزية الفصيحة من قراءته لكبار كتاب الأدب الإنكليزي.
ثم توجّه المانع إلى البصرة ليلتحق بثانوية العشار وكان معه هناك بدر شاكر السياب، ثم التحق بجامعة بغداد وتخرج منها عام 1948، فيما كان يفتخر دوماً بما أسماه "جامعة نفسي"، كناية عن أنه علّم نفسه بنفسه، حيث تعلّم حينها مبادئ اللغة الفرنسية وأتمها بجهودٍ فردية ومساعدة من أحد المقيمين التونسيين.
قد يرتبك كثيرٌ من متناولي سيرة نجيب المانع في وصفه، هل هو أديب، أم ناقد، أم مترجم، أم صحفي، إلا أن جميع من غاص في مسيرته وإنتاجاته الأدبية المتعمّقة في التنقيب عن الثقافات العالمية سيتفق على أنه يستحق بأن يوصف بالشخصية الموسوعية، خصوصاً مع إصداراته ومؤلفاته وترجماته العديدة، ومن أهمها كتاب "مذكرات عُمُرٍ أكلتهُ الحروف" وهو سيرة ذاتية له، طُبعت بعد وفاته، وحملت وصفاً كتبه المانع نفسُه عن مذكراته فقال: "الذكريات لا تتناول حياتي، بل تأثير القراءة والكتابة في هذه الحياة، ولهذا قلتُ إنه عُمُرٌ أكلته الحروف، أي الكلمات، سواءً المقروءة منها أم المكتوبة".وتجنب أن يورد في مذكراته يومياتٍ تفصيلية، بل سعى إلى انتقاء أحداث معينة يجد فيها معنىً أو قيمةً يُمكن الاستنتاج منها.
ومن قصصه التي نُشرت في بعض المجلات العربية: "الممثل يضحك الجمهور" في مجلة "الرسالة" اللبنانية 1957م، و"الأعمى والحذاء" في مجلة "الفنون" العراقية 1958، و"فولكنر على نهر الغرّاف" و"شاعر يعترف" في مجلة "المثقف" العراقية 1958، و"الدرس الأول" في مجلة "الأديب" العراقية 1961، وله رواية وحيدة حملت عنوان "تماسّ المدن" صدرت سنة 1979.
وبلغ عدد ترجمات نجيب المانع ثلاثين كتاباً، من أهمها "رواية غاتسبي العظيم"، وكتاب "دوستويفسكي" لمؤلفه رينيه ويليك، وكتاب "بيتهوفن: دراسة في تطوره الروحي"، وكتاب "مارسيل بروست والتخلص من الزمان"، وكتاب تولستوي"، وكتاب "بُناة العالم"، وكتاب "أشكال الرواية الحديثة، وليام فان أوركونور وآخرون".
وعن سيرته الوظيفية، عُيّن نجيب المانع في عدة مناصب منها مديرٌ لإحدى شركات النفط في العراق، ومديرٌ عام لمديرية توزيع المنتجات النفطية سنة 1960، وفي عام 1961م تم تعيينه بوزارة الخارجية كموظف في الدائرة القنصلية، ثم عمل كمدير للشركة العربية لإعادة التأمين، ليعمل بعدها مديراً عاماً لهيئة الترجمة بوزارة الثقافة حتى 1979م، ثم انضم إلى صحيفة «الشرق الأوسط» عام 1987م وذلك بمقرها في لندن بدعوة من رئيس تحريرها آنذاك، الأستاذ عثمان العمير، فأثرى صفحاتها بكتابة زاوية ثقافية ونشر مذكراته الشخصية، علاوة على ترجمات لأهم الكتب الأجنبية الصادرة في تلك الفترة والتي راحت الصحيفة تنشرها على حلقات، واستمر كذلك إلى أن انتقل إلى رحمة الله في الثاني من نوفمبر عام1412ه/ 1991م، تاركاً خلفه ترجماتٍ متقنةً لثلاثين كتاباً في الموسيقى والأدب والسياسة، ومئات المقالات، وعدداً من القصص القصيرة، وبحثاً مفصلاً عن همنغواي وآخر عن فلسفة الصوت والغناء العربي بعنوان "أم كلثوم، الغياب المستحيل والمؤسسة الوجدانية".
0 تعليق