مسلسل (البث) والدراما الكاشفة

مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
على منصة شاهد وبثماني حلقات، هي مجموع حلقات هذا المسلسل الجريء، تتكشف للمشاهد حقائق عالم الشهرة والمشاهير، وما يدور في (كواليسه) الخلفية من أكاذيب ومؤامرات، الغرض منها زيادة المتابعين، والحصول على أكبر قدر من الإعلانات، حتى لو كانت غير موثوقة، أو أموالا مشبوهة، هذا العالم الغامض الشفاف، الذي ترتكب فيه الحماقات على الهواء مباشرة، أو توثق وتبث لاحقا، وكأن الافتعال والاستغفال قوى خارقة يمتلكونها، فيجعلون الأكاذيب والحماقات تمر على الآخرين مرور اللئام المقنعين باللثام.

يقول الفيلسوف (أفلاطون) "في جدال حول الغذاء يدور أمام جمهور من الأطفال، فإن الحلواني كفيل بأن يهزم الطبيب، وفي جدال أمام جمهور من الكبار، فإن سياسيا تسلح بالقدرة الخطابية وحيل الإقناع كفيل بأن يهزم أي مهندس أو عسكري حتى لو كان موضوع الجدال هو من تخصص هذين الآخرين، وليكن تشييد الحصون أو الثغور! إن دغدغة عواطف الجمهور ورغباته لأشد إقناعا من أي احتكام إلى العقل".

للسعادة أسباب، وللشهرة أبواب، فمن كانت سعادته بما يحرم شرعا ويجرم قانونا، كانت سعادته مؤقتة زائفة، يتبعها حسرة وندم، ومن دخل للشهرة من باب خلفي مظلم، إطاره الذل، ومقبضه المهانة، أفضى به إلى ممر الجحيم.

(مارك توين) أبو الأدب الأمريكي كتب في يومياته رأيه في الشهرة "إن السعادة والحب والشهرة ليست إلا قناعا خفيفا لحقيقة الإنسان المستترة خلفه، وهي الألم، والحزن، والخزي، والفقر".

الشهرة ليست دليلا على الأدب الرفيع والخلق الحسن، وليست برهانا على الفهم الثاقب والنجاح الباهر، وليست بينة على نفاذ البصيرة وسداد الرأي، وليست شهادة ثقة وإقرار كفاءة، في الغالب ليس كل مشهور موصوف بهذه الصفات، وفي الغالب إن كل من اتصف بهذه الصفات ليس مشهورا، وذلك لسببين: لأنه لا يهتم بالشهرة من كانت هذه صفاته. وأن صفات الشهرة في زماننا هذا مختلفة عن كل الأزمان. بعض ممن اشتهروا بأمور مستقبحة، وصفات مستهجنة، يملكون درجات استحقاق عالية، تتعجب منها حتى الجمادات، ولسان حالهم:

نحن أناس لا توسط عندنا
لنا الصدر بين العالمين أو القبر

يقول المفكر (علي عزت بيجوفيتش) "لماذا نصادف كثرة من المعوقين حول المساجد والكنائس والمعابد؟ لأن بيوت الله وحدها تفتح أبوابها لأولئك الذين ليس لديهم ما يعرضونه أو يبرهنون عليه، أولئك الفقراء في المال والصحة، الذين استبعدوا من موائد الاحتفالات في هذا العالم، حيث يدعى الشخص لاسمه أو حسبه ونسبه أو موهبته وعلمه، أما في بيت الله فإن الفقير والأعمى يمكن أن يقفا جنبا إلى جنب مع ملك أو نبيل وقد يكونان عند الله أفضل منهما".

أخيرا، بين التفاهة والشهرة علاقة طردية، وبين المتابع المدافع الخاضع وبين العقل المستنير والذوق الرفيع مسافة بعيدة، متى ما أدركنا وفهمنا هذه العلاقات، وعكسنا الاتجاهات، وقللنا المسافات، جاءت الشهرة لمن يستحقها، وأصبحت ممتعة مفيدة، شكرا من القلب منصة شاهد، وشكر أكبر لصناع مسلسل (البث).

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق