«الحديبية» والطريق إلى «الفتح»

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

السبت 08/فبراير/2025 - 07:22 م 2/8/2025 7:22:53 PM

لم تكن قد مرت سوى سنة واحدة على هزيمة المشركين فى غزوة الأحزاب «سنة ٥ هجرية»، حين قرر النبى، صلى الله عليه وسلم، اصطحاب المؤمنين فى عمرة إلى بيت الله الحرام، وذلك سنة ٦ هجرية. خطوة ذكية خطاها حضرة النبى أراد من خلالها أن يرسل برسالة إلى عرب مكة الذين تحالفوا ضده قبل عام وجمعوا جحافلهم وساروا إليه فى ١٠ آلاف مقاتل، ملخصها أنهم خسروا وها هو والمؤمنون يبادرون إلى العمرة فى جوف مكة، غير آبهين بالمشركين الذين يتربصون بهم الدوائر. 

تحرك النبى نحو مكة برفقة ما بين ١٤٠٠ و١٦٠٠ من أصحابه، لا يحملون معهم سلاحًا سوى السيوف، وهو ما تعود عليه العرب فى ذلك الزمان، فلم يكن أحد يتحرك إلا بسيفه، ولم يحملوا معهم أى أدوات أو لوازم أخرى للقتال، لأنهم قصدوا أداء العمرة والعودة إلى المدينة بعدها. علم أهل مكة بخروج المسلمين فأجمعوا أمرهم على منعهم من العمرة. حرّك المشركون كتيبة تضم ٢٠٠ مقاتل تحت قيادة خالد بن الوليد لتقابل النبى وأصحابه خارج مكة وتصدهم عن دخولها، أرسل النبى صلى الله عليه الصلاة والسلام الرسول تلو الرسول إلى مكة ليخبر أهلها أنه يقصد العمرة ولا يريد قتالًا، أرسل خراش بن أمية، ثم عثمان بن عفان، ووصلت أخبار إلى المسلمين تقول إن المشركين قتلوا «عثمان»، فاستنفر النبى صحابته وبايعوه بيعة الرضوان الشهيرة. وأمام هذا الاشتعال فى الموقف أخذت الرسل تروح وتجىء بين النبى ومشركى مكة. أرسل المشركون سهيل بن عمرو ليفاوض النبى، وتصالح معه على هدنة مدتها ١٠ سنوات لا يتقاتلون فيها، وعلى حرية العرب فى الدخول فى دين محمد أو فى عهد قريش، وأن من جاء إلى النبى بغير إذن وليه يرده محمد إلى أهله، ولا ترد قريش من جاءها من عند محمد، وأن يعود محمد هذا العام، ويأتى للعمرة فى العام التالى لا يحمل سلاحًا، ولا يمكث فى مكة سوى ٣ أيام.

بدا الاتفاق من وجهة نظر بعض الصحابة فى غير صالح المسلمين، توقف عمر بن الخطاب وآخرون أمام الشرط الذى يقول إن من لحق من الكفار بالمسلمين يردونه، ومن لحق بالكفار لم يردوه، وكذلك أمام اشتراط قريش أن تتم العمرة فى العام التالى على ألا يدخل المسلمون مكة بسلاحهم، إلا السيوف فى قرابها، وألا يمكثوا فى مكة أكثر من ٣ أيام. كانت تلك وجهة النظر الحماسية التى لا تدرك عمق الحكمة وبُعد النظر الذى تمتع به النبى صلى الله عليه وسلم. كان من الملفت أن تنزل آية الفتح فى هذا المشهد: «إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطًا مستقيمًا». لقد نزلت الآية الكريمة بعد العودة من الحديبية، وليس بعد فتح مكة، كما اشتهر لدى البعض. لقد أرادت السماء أن تهنئ النبى بهذه الخطوة التى تحير بعض الصحابة أمام شروطها، ولم يفهم أغلبهم أن «صلح الحديبية» يمثل خطوة شديدة الأهمية تساندت مع النصر الذى حققه المسلمون فى غزوة الأحزاب فى التمهيد لفتح مكة ودخولها. لقد صنف أغلب كُتّاب التراث «الحديبية» فى إطار المغازى، واعتبروها واحدة من المعارك الخطيرة التى مهدت لدخول مكة، انطلاقًا من الوصف الإلهى لها بـ«الفتح». يقول «ابن سعد» فى طبقات الصحابة: قرأ النبى على الصحابة «إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا»، قال رجل من أصحاب محمد: «يا رسول الله أو فتح هو؟ قال: إى والذى نفسى بيده إنه لفتح».

تواصل نضال النبى والمسلمين بعد «الحديبية» وخاضوا العديد من المعارك، أهمها غزوة «مؤتة»، وهى لم تكن موجهة نحو مكة والمشركين، بل إلى الروم فى الشام، ولم يخرج النبى فيها، ولعلك تعلم تفاصيل ما حدث فى الغزوة، إذ استشهد فيها القيادات التى حددها النبى على رأس المقاتلين الذين شاركوا فيها «ثلاثة آلاف مقاتل»، وهم: زيد بن حارثة وجعفر بن أبى طالب وعبدالله بن رواحة، وانهزم المسلمون فى بدايتها، حتى قال أحد من رآهم فى ذلك اليوم: لم أر اثنين جميعًا، وانتقلت الراية بعد ذلك إلى خالد بن الوليد، وتمكن من رد اعتبار المسلمين، وسحب الجيش عائدًا إلى مكة.

طيلة ٢٢ شهرًا تفصل بين صلح الحديبية وفتح مكة، لم يتوقف النبى صلى الله عليه وسلم عن القتال من أجل تأمين المجتمع المسلم الوليد، حتى أَذِن الله له بالتحرك إلى مكة بعد أن نقضت قريش صلح الحديبية، والسبب فى ذلك مشاركة قريش قبيلة بكر، الحليفة لقريش، فى الاعتداء على قبيلة خزاعة المتحالفة مع النبى صلى الله عليه وسلم. يقول «ابن سعد» فى «طبقاته»: «قدم وفد من خزاعة على النبى يخبرونه بالذى أصابهم ويستنصرونه، فقام وهو يجر رداءه وهو يقول: لا نصرت إن لم أنصر بنى كعب مما أنصر منه نفسى، وقال: إن هذا السحاب ليستهل بنصر بنى كعب، وقدم أبوسفيان بن حرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يسأله أن يجدد العهد ويزيد فى المدة فأبى عليه».. كان النبى صلى الله عليه وسلم قد اتخذ قراره.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق