في مدينة دهب الساحرة على سواحل سيناء، حيث تلتقي مياه البحر الأحمر بجبال الصحراء، تظهر كل عام مع قدوم شهر رمضان المبارك شخصية استثنائية تُدخل البهجة إلى قلوب الجميع، إنها «كاتي ظريف» أول «مسحراتية مسيحية» في مصر، التي أصبحت رمزاً للوحدة والمحبة بين المسلمين والمسيحيين في هذه البقعة المصرية الهادئة.
للعام الرابع على التوالي، تجوب «كاتي» شوارع دهب مرتدية جلابية بيضاء، ممسكة بطبلة صغيرة وفانوس رمضاني، وهي تنادي بصوتها الدافئ: «اصحى يا نايم، وحد الدايم، رمضان كريم»، لإيقاظ المسلمين للسحور على مدار شهر رمضان الكريم.
«كاتي» التي تعمل مرشدة غطس تعمل مع السياح في أعماق البحر، حكت قصتها لـ«عكاظ» وأنها لم تكتفِ بمشاركة المسلمين فرحة رمضان من خلال مهنة «المسحراتي» فحسب، بل تقوم أيضاً بتعليق زينة الشهر الفضيل في الشوارع مع أهالي دهب، وتوزع التمر والعصائر على المسافرين قبل الإفطار على الطريق، وهو ما تصفه «كاتي» في حديثها: «رمضان في دهب حاجة تانية، هو شهر يجمعنا كلنا، مسلمين ومسيحيين، وأنا بحب أشارك إخوتي فرحتهم وأكون جزء من هذا الجو الرمضاني السعيد».
تعكس كلمات «كاتي» قلباً ينبض بالمحبة والإخاء، حيث ترى أن عملها كمسحراتية ليس مجرد تقليد، بل رسالة إنسانية تؤكد «أن الدين لله والوطن للجميع».
أخبار ذات صلة
بدأت قصة «كاتي» مع هذه المهنة قبل أربع سنوات، عندما قررت أن تحيي هذا التراث الرمضاني في مدينتها التي تعشقها، لم تتردد رغم أنها أول مسيحية تتولى هذا الدور في مصر، بل وجدت فيه فرصة لتعزيز الترابط المجتمعي، وهو ما جعل أحد أهالي مدينة دهب، ويدعى «أحمد سعيد» يروي تجربته مع «كاتي» قائلاً: «لما بنسمع صوت كاتي بيبقى فيه فرحة غريبة، هي مش بس بتصحينا للسحور، دي بتصحي فينا روح المحبة والأخوة»، ويضيف ضاحكاً: «حتى الأطفال بيستنوا كاتي كل ليلة عشان يسمعوا صوت الطبلة ويجرّبوا يدقوا معاها».
تعود جذور مهنة «المسحراتي» إلى صدر الإسلام، حيث يُعتبر الصحابي الجليل بلال بن رباح أول من تولى هذا الدور، كان بلال، بصوته العذب، يجوب شوارع المدينة المنورة ليوقظ المسلمين للسحور بناءً على طلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي قال: «تسحروا فإن في السحور بركة» ومع مرور الزمن، انتقلت هذه العادة إلى مصر في العصر العباسي، حيث كان الوالي «عتبة بن إسحاق» أول من طاف شوارع الفسطاط في عام 228 هـ (842 م) لينادي الناس للسحور، حاملاً عصاه ومردداً عبارات التنبيه.
تطورت المهنة في مصر مع الدولة الفاطمية، حيث أصبح الجنود يتولون إيقاظ الأهالي، ثم ظهر «المسحراتي» كشخصية مستقلة تحمل الطبلة والفانوس، وتردد أناشيد دينية وشعبية مثل «اصحى يا نايم» التي كتبها الشاعر فؤاد حداد ولحنها سيد مكاوي، ورغم تراجع المهنة في العصر الحديث بسبب التكنولوجيا، إلا أن «كاتي» أعادت إحياءها بروح جديدة، مضيفة بُعداً إنسانياً يتجاوز الحدود الدينية.
0 تعليق