الأمن القومي العربي... النجاح والفشل

24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تاريخياً، يعود استخدام مصطلح "الربيع" في السياسة الى منتصف القرن الـ19، بسبب الثورات الشعبية التى اندلعت في أوروبا بداية من عام 1848، وهو ما عرف وقتها بـ"ربيع الشعوب أو الثورات الأوروبية"، حيث بدأت بالموجة الثورية الفرنسية في فبراير من العام نفسه، وتأثرت بها أكثر من 50 دولة أوروبية، منها ألمانيا والسويد والدنمارك وسويسرا وبلجيكا وأيرلندا، التي كانت تعتبر من أكثر الموجات الثورية انتشارا في تاريخ أوروبا.

واتسمت هذه الثورات بأنها كانت ذات طابع ديمقراطي، وسعت الى خلق دول وطنية، وانتهت إلى مجموعة من الاصلاحات المهمة، منها زيادة المشاركة في الحكومة والديمقراطية، وحرية الصحافة، وانهاء الملكيات المطلقة، وادخال حرية الرأي والديمقراطية البرلمانية فى هولندا.

كما استخدم المصطلح نفسه في أوروبا خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حين عرفت ثورة المجر على السوفيات عام 1956 بـ"ربيع بودباست" وأطلق على ثورة تشيكسلوفاكيا ضد السوفيات عام 1968 "ربيع براغ".

وعرفت المنطقة العربية مصطلح "الربيع" عام 2011 إثر سقوط نظام بن علي في تونس، ومبارك في مصر، والقذافي في ليبيا، حيث سميت تلك الموجات بـ"الربيع العربي".

بينما يرى عدد من المحللين انها فشلت في اهدافها، وتسببت في ظهور موجات ارهابية تعاني منها المنطقة، حتى يومنا هذا.

إلا ان اهم انجاز حققه "الربيع العربي" هو سقوط الامن القومي العربي في "الاختبار الثالث"، وما انتهى اليه من نتائج سلبية ادت الى سقوط ستة انظمة عربية، وموجات متتالية، ومستمرة من التظاهرات في عدد من الدول العربية، كالبحرين والكويت وعمان وموريتانيا، وما ادت اليه تلك التظاهرات من فرص تاريخية، لا يمكن ان تتكرر خصوصا في البحرين، التي عانت كثيرا بسبب التدخل الاميركي والايراني، والتنسيق بينهما من اجل اقامة حكومة تابعة لايران تكون جسرا للعبور الى السعودية، وبقية دول "مجلس التعاون" الخليجي لتحقيق الاهداف الاميركية لأن ينقسم الوطن العربي الى جناح شرقي، يسيطر عليه نظام ولي الفقيه ويضم دول "مجلس التعاون" واليمن والعراق وسورية وغزة، والجناح الغربي الذي يسيطر عليه "الاخوان المسلمين" في مصر ويضم مصر وليبيبا وتونس والمغرب وموريتانيا.

وهكذا نكون امام واقع جديد، ووطن عربي جديد مختلف.

إلا ان نظرية "الثورة الخلاقة" لم تتمكن من تحقيق اهدافها بين الدول الخليجية، رغم الضغط الاميركي الهائل على البحرين، التي تعرضت لتظاهرات صاخبة في الشارع، الا ان القيادة في البحرين عرفت كيف تتعامل مع الموقف بحكمة عالية واقتدار، ما ساعد على التهدئة، والقضاء على الفتنة، واهمها تشكيل "لجنة بسيوني" التي لم يسلم تقريرها من تعديلات اميركية في اللحظات الاخيرة.

اما السعودية فقد كانت صريحة وحاسمة في ما يتعلق بدخول قوات "درع الجزيرة" الى البحرين في مارس 2011، للقضاء على احلام اميركا في قيام دولة تابعة لنظام الولي الفقيه في البحرين.

ووفق ما تناولته وسائل الاعلام ان وزير الخارجية السعودي السابق، سمو الامير سعود الفيصل، رحمه الله، كان حاداً في حديثه التلفوني مع وزيرة الخارجية الاميركية السابقة هيلري كلينتون، انطلاقاً من انه ليست هناك مساومة على استقرار وأمن البحرين، الذي يعتبر جزءاً من استقرار وامن السعودية، خصوصا بعد ثبت أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وفريقها عملا على إنشاء شبكة إعلامية، بالتعاون مع قنوات اخبارية عربية لدعم تنظيم "الإخوان المسلمين"، بدعم مالي يصل إلى 100 مليون دولار، وخطط الولايات المتحدة المشبوهة لدعم الفوضى ودعم الحركات الإسلامية السياسية المتطرفة الافكار، التي استغلت تظاهرات الشارع لتحقيق اهدافها.

وقبل نهاية مقالاتي، أود ان اوضح أن الامن القومي العربي يستجيب للمصالح التي تشمل الدول العربية قاطبةً، ويجسد الوشائج الوجدانية والجغرافية، والتاريخية، والدينية والثقافية التي تربط بين الشعوب العربية، ومقدرات القوة المادية والمعنوية العربية، ويحولها نفوذاً ضخماً للقوة في مواجهة التهديدات، وردعها وضمان سيادة الدول العربية، واستقلالها وحماية مصالحها الوطنية.

إلا ان الأمن القومي العربي، رغم وجود كل عوامل النجاح، لم يتحقق في الوقت الحاضر كما يتضح عند تشخيص العلاقات العربية - العربية التي تعاني من حالة عدم الثقة الى جانب ما تعانيه هذه العلاقات من مشكلات الحدود القائمة حتى اليوم.

كاتب بحريني، وكيل وزارة الخارجية لشؤون "مجلس التعاون" سابقًا

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق