وماذا بعد سوريا البعث

مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
بخروج الرئيس بشار الأسد هاربا من سوريا يسقط آخر معاقل حزب البعث العربي الاشتراكي في المنظومة السياسية العربية، وهو حزب أراد مؤسسه ميشيل عفلق ورفيقه صلاح البيطار أن يكون بمثابة النهضة والصحوة للأمة العربية، لكنه كان أساسا للموت والدمار والتخلف والفرقة الدموية الغاشمة؛ والعراق وسوريا اللتان تمكن الحزب من السلطة فيهما نموذجان لوحشية دموية لن ينساهما التاريخ، وهو ما توالت الصور الإجرامية في الكشف عنه يوما بعد يوم، وما أسوأها من صور مخيفة بحق آلاف المدنيين الذين انتهكت أجسادهم بصورة لا يقبلها دين ولا شرع، ولا تسوغه كل قوانين الأرض.

سقط حزب البعث وانتهى النظام الحاكم في سوريا، كما هو الحال في العراق من قبل، والسؤال المركزي هو: هل يجب أن تتكرر المأساة في سوريا كما كان عليه الحال في العراق؟ ذلك الذي تُرك عربيا وحده فعاث فيه الغازي الأمريكي تشتيتا، ثم التهمته إيران، ليتخبط يمينا ويسارا، وتتشرذم أوصاله بالشكل الذي هو عليه، ليأخذا وقتا طويلا في التعافي، ولما ينته من تضميد جراحه، ونرجو له كمال التعافي في ظل قياداته السياسية.

أشير إلى أن سوريا تحظى بعديد من السياسيين والحكماء البارزين القادرين على لملمة وطنهم، ومعالجة ما خلفه النظام السابق من جروح دامية، والخروج بسوريا من مخاطر الانزلاق في نفق مظلم، لكنهم بحاجة إلى رعاية إقليمية عربية تمد لهم يد العون وتساعدهم للاجتماع بشكل مناسب، مع تمكينهم ماديا ومعنويا ليعيدوا ترميم وطنهم وتقرير مستقبله السياسي الناصع بالشكل الذي يتوافقون عليه، وهو واجب كل الدول العربية، وبخاصة الأردن ودول مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية.

يبقى أن أذكر بأن التجربة خير برهان، وكما كان خطأ ترك العراق، فأرجو ألا تترك سوريا لتقع بأكملها في قبضة تركيا، أو تحقق مراد إسرائيل بتكريس الهجوم العسكري عليها بحجة محاربة القوى الإسلامية المتطرفة، وهي في واقع الحال لم تتأخر في هجومها العسكري، فكان أن وسعت احتلالها في الجولان، وقامت بتدمير كل البنية العسكرية السورية بريا وجويا وبحريا، بحجة ألا تقع في يد قوى إسلامية متطرفة.

على أن ذلك هو ما يخشاه المراقبون أيضا، إذ وبالرغم من اعتدال خطاب قائد العمليات أحمد الشرع المكنى بأبي محمد الجولاني سابقا، لكن تاريخ مكونه السياسي والعسكري وهي هيئة تحرير الشام المصنفة على لائحة الإرهاب أمريكيا حتى الآن يشي بحالة من التوجس، ويجعل الباب مفتوحا لخطاب طائفي متشدد في قادم الأيام، وفي حينه ستدخل سوريا في نفق مظلم من الاقتتال الأهلي الطائفي، والذي قد ينتج عنه استدعاء لقوى غربية باسم حماية الأقليات العلوية والدرزية والمسيحية.

لذلك مهم أن تتشكل رؤية عربية تقودها السعودية والأردن وقطر وبمشاركة تركية، لتمكين قيادات المجتمع المدني من إعادة بناء الجمهورية السورية بالصورة السليمة، والتي تحقق الأمان للمجتمع، وتتيح الشراكة لمختلف القوى والمكونات السياسية والفكرية للمساهمة في البناء.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق