توصلت شركة نفط الكويت إلى كميات تجارية كبيرة من النفط والغاز في حقل الجليعة البحري، الواقع بالمياه الإقليمية في الكويت، ضمن جهودها المتواصلة لإجراء عمليات التنقيب عن الموارد الهيدروكربونية لزيادة الاحتياطيات. ووفق بيانات، فإن الحقل البحري يغطي مساحة كبيرة تبلغ نحو 74 كيلومتراً مربعاً، فيما تُقدَّر احتياطياته بنحو 800 مليون برميل من النفط متوسط الكثافة، و600 مليار قدم مكعبة قياسية من الغاز المصاحب، أي ما يعادل 950 مليون برميل نفط مكافئ. ويُعد حقل الجليعة ثاني اكتشاف بحري تحققه «نفط الكويت»، بعد حقل النوخذة البحري، ضمن مشروعها المهم للحفر الاستكشافي البحري الذي أطلقته الشركة خلال العام الماضي (2024)، لذلك فهو يمثل إضافة مهمة لقطاع النفط والغاز في البلاد. وفي استطلاع لـ «الجريدة» عن ذلك الاكتشاف، رأى بعض خبراء النفط أن الوقت مازال مبكراً للإعلان بشكل كامل عن أرقام الإنتاج من حقل الجليعة، لأنه لا يزال عملاً استكشافياً، ولا يُعد رقماً نهائياً للاحتياطيات النفطية في البلاد، وهو وفق المعلن من المسؤولين عن القطاع النفطي يبلغ حوالي مليار برميل نفط. وأجمع الخبراء على أن ذلك الاكتشاف يزيد قوة ومتانة دور الكويت في توفير الطاقة للمستهلكين، وأيضاً توفير الأمن الطاقي للعالم... وفيما يلي التفاصيل:
قال الخبير والاستشاري النفطي د. عبدالسميع بهبهاني إن الوقت مازال مبكراً لإعلان أرقام احتياطيات ذلك الاكتشاف النفطي، كونه يُعد عملاً استكشافياً في بئر واحدة، لذلك يصعب تحديد الكمية، وإنه توجد مصطلحات تسمَّى المثبت أو المحتمل أو الممكن. وهذه الأرقام المعلنة صعبة الطرح بالشكل الذي تمَّت عليه، لافتاً إلى أنه لا يمكن تحديد قيم المخزون إلا بعد الانتهاء من حفر آخر الآبار التقييمة، التي قد تصل إلى نحو 4000 بئر تقييمية.
وتابع بهبهاني: «أرى أن قدرة البئر على إنتاج 2000 برميل يومياً يُعد رقماً جيداً، ويذكِّرنا بحقل برقان».
وأضاف أن هناك حالة من التفاؤل، بأن يكون هناك إنتاج بحري، وقد كانت هناك دراسات سابقة في حقلَي رغوة والمدينة، وكلها اكتشافات تدل على أن البحر غني بالنفوط.
وأشار إلى أن تجربته الشخصية في العمل النفطي تؤكد أن الإنتاج البحري يُعد أقل كلفة وأنظف من الإنتاج البري، كون البر يحتاج إلى إعدادات أكثر كلفة من البحر، سواء الشوارع القوية التي تتحمَّل المُعدات الضخمة، فضلاً عن مد البايبات من البحر لإمداد البئر من المياه، وهذه كلها عوامل متلفة للبئر والبيئة.
وقال: «أما في البحر، فهناك نظام في الماء به كل المُعدات اللازمة، ونستطيع عمل جزيرة داخل البحر للتنظيف قبل نقل الخام إلى البر، وهذه كُلفة أقل سعراً».
شركة بحرية
ولفت بهبهاني إلى أنه «من السابق لأوانه الحديث عن احتياجنا إلى شركة نفطية بحرية متخصصة، لأن تلك الشركة لن تكون ذات جدوى، خصوصاً أننا مازلنا في عمليات استكشافية، وهذه الشركة قد تُربك ذلك العمل في بداياته»، منوهاً إلى أنه «من الممكن أن نحتاج إلى تلك الشركة المتخصصة في عمليات التطوير والإنتاج».
وحول ما إذا كانت الاكتشافات الجديدة ستوفر المزيد من فرص العمل للعمالة الوطنية، ذكر بهبهاني: «هناك تكدُّس في العمالة حالياً، وإذا ما اتخذنا ذلك القرار الآن، فسوف تكون هناك زيادة في كُلفة التشغيل»، مشدداً على ضرورة توظيف الموظف الحالي بشكل جيد، وأن يكون هناك تدريب وتوزيع جيد للعمالة، كون القطاع النفطي قراراته سريعة وآنية.
وهنأ بهبهاني بهذا الإنجاز المبشِّر، الذي قد يرفع نسبة المخزون المحلي إلى نحو 20 في المئة على أقل تقدير.
عبدالسميع بهبهاني: لا يمكن تحديد حجم المخزون إلا بعد الانتهاء من حفر آخر بئر تقييمية
تركيز على البحر
من ناحيته، قال الخبير في شؤون الطاقة محمد الشطي إن الكويت بلاشك قامت في السنوات الأخيرة بالتركيز على البحر من حيث البحث عن النفط، سواء كان ذلك تطويراً أو اكتشافات، وهذا يبدو جلياً في حقل الدرة والنوخذة، وأخيراً الجليعة، لافتاً إلى أن ذلك يعزز دور الكويت دولياً بالنسبة لأمن الطاقة.
وأضاف: «ذلك الاكتشاف يمنح البلاد أريحية في امتلاك مخزون واحتياطي كبير لاستدامة الإنتاج والتطوير»، لافتاً إلى أن «الكويت عضو مؤسس في منظمة أوبك، ومطلوب منها الإيفاء باحتياجات العالم من إمدادات النفط، وعليه فنحن نقوم بالتطوير واستدامة المعروض من الخام».
وتابع الشطي: «محلياً، نحن نحتاج إلى تدعيم الاقتصاد، وتنميته، وتمويل الكثير من المشروعات، ورغم توجه سياسات الحكومة بتنويع مصادر الدخل، فإن النفط يظل الداعم الرئيس لكل المشاريع»، مشيراً إلى أن تأمين الطاقة الإنتاجية لسنوات قادمة يؤكد قدرة الكويت على الإنتاج والتطوير، وتوفير كميات كافية للأسواق من الخام، فضلاً أن ذلك يعطي دافعاً للشراكة بين الكويت واللاعبين الكبار في قطاع النفط بالعالم.
محمد الشطي: سعي الرئيس ترامب إلى خفض أسعار الطاقة بنسبة 50% قد يضر بمصالح شركات النفط الصخري في بلاده
أسعار 2025
وحول توقعات أسعار الخام في عام 2025، قال الشطي: «قبل أن تبدأ السنة الجديدة تجاوزت الأسعار 80 دولاراً للبرميل، وذلك مرتبط بشكل كبير بالتلويح من خلال التصريحات الأميركية بفرض عقوبات على نفط روسيا، الأمر الذي أثار المخاوف بالأسواق من نقص الإمدادات، إلا أن هناك ما يطمئن الأسواق إلى حدٍّ كبير، وهو الطاقة الإنتاجية التي تمتلكها (أوبك بلس) بحوالي 7 ملايين برميل يومياً».
وأضاف: «لم نرَ ارتفاعاً كبيراً في الأسعار. ذلك الأمر يحتاج إلى الوضوح فيما إذا كانت هناك عقوبات ستطبَّق على روسيا من عدمه، حتى تستوعب الأسواق تلك العقوبات، وتشعر بالنقص في المعروض، فتبدأ حينئذ ردة فعل الأسواق بشكل واضح».
وقال الشطي إن هناك لاعباً جديداً دخل الأسواق، وهو الرئيس الأميركي ترامب، الذي سيعمل أولاً وأخيراً من أجل بلاده، فهو يريد تطوير الصناعة النفطية والإنتاج النفطي بالولايات المتحدة، وبناء مخزون استراتيجي، كما يسعى لأسعار طاقة أقل من التي عليها حالياً، مشيراً إلى أن ترامب تحدَّث عن خروجه من اتفاقية باريس للمناخ.
وتابع: «حينما نتحدَّث عن تطوير الإنتاج، فإننا نحتاج إلى أسعار تتراوح ما بين 80 و90 دولاراً للبرميل»، موضحاً أنه في عام 2025 سيكون هناك توازن بين العرض والطلب، والأسعار ستظل ما بين 70 و75 دولاراً للبرميل، لافتاً إلى أن 80 دولاراً للبرميل سعر مناسب حالياً للكويت وميزانيتها العامة.
سيناريو الضعف
وذكر الشطي أن إصرار الولايات المتحدة على فرض ضرائب على المنتجات الصينية والأوروبية سيُدخل العالم في سيناريو ضعف الاقتصاد، الأمر الذي يؤثر على الطلب النفطي.
وأعرب عن اعتقاده بأن سعي الرئيس ترامب إلى خفض أسعار الطاقة بنسبة 50 في المئة أمر صعب، كونه يريد تطوير الإنتاج النفطي في بلاده، وذلك الأمر قد يضر بمصالح شركات النفط الصخري في الولايات المتحدة.
«العربية للطاقة»: الاكتشافات الجديدة تعزز مكانة الكويت النفطية
أكد الأمين العام للمنظمة العربية للطاقة - أوابك سابقاً - جمال اللوغاني أن الاكتشافات البحرية الجديدة في دولة الكويت «مشروع وطني بامتياز» يعزز من مكانتها على خريطة الطاقة العالمية.
وقال اللوغاني لـ«كونا» إن تلك الاكتشافات تؤدي دوراً كبيراً في تنمية موارد الكويت الطبيعية وصقل خبرات كوادرها الوطنية، مبيناً أن «الكويت تشرع في رحلة استكشافية بحرية طموحة لا تقتصر أهدافها على مجرد الكشف عن الثروات الهيدروكربونية بل تتعداها لبناء مستقبل مزدهر للأجيال القادمة».
وذكر أن خطة الاستكشاف البحري في الكويت بمنزلة «سفينة أبحاث متطورة» لافتاً إلى أنه تم خلالها حفر ست آبار ثلاث منها تستهدف تشكيلات من العصر الكريتاسي وثلاث أخرى تستهدف تشكيلات من العصر الجوراسي.
وأشار إلى أن طلائع الاستكشاف البحري في الكويت بدأت العام 1961 حين جمعت شركة «شل» بيانات زلزالية لنحو 6300 كيلومتر طولي تبعها حفر ثلاث آبار استكشافية في العام 1962 ومن ثم قامت شركة نفط الكويت في العام 1963 بحفر بئر استكشافية بالقرب من جزيرة فيلكا مضيفا أن تلك الجهود والعمليات لم تتوقف منذ ذلك الحين.
وأفاد بأن الآبار التي تم حفرها على مدى تلك السنوات زودت الجيولوجيين ببيانات ثمينة عن التركيب الجيولوجي للمنطقة وساهمت ببناء فهم أفضل لتكوين الصخور وتوزيع الطبقات ووجود الفوالق والشقوق وغيرها من الخصائص التي تؤثر على وجود النفط والغاز. وقال اللوغاني إن الكويت أعلنت في العام 2019 انطلاق مرحلة جديدة من الاستكشاف البحري بعد توقيع عقد حفر بحري في شهر يوليو من العام نفسه تهدف إلى إنتاج 100 ألف برميل من النفط يومياً من مياهها الاقتصادية حيث كان مقرراً أن يبدأ الحفر الاستكشافي البحري بحلول يوليو 2020 على أن يتم الانتهاء من حفر ست آبار استكشافية خلال ثلاث سنوات ومن ثم التخطيط للمراحل التالية.
وأشار إلى أن جائحة «كورونا» التي اجتاحت العالم مطلع عام 2020 تسببت بتأجيل تلك العمليات حتى انطلقت فعليا في 8 أغسطس العام 2022 ورافق ذلك تقييم للنظام الهيدروكربوني للمنطقة من خلال معلومات الآبار المحيطة ببحر الكويت حيث توفرت معلومات عن 2500 بئر تغطي 300 مكمن.
وأكد أن الكويت حققت في أقل من ستة أشهر اكتشافين نفطيين عملاقين في مياهها الإقليمية باحتياطيات إجمالية تفوق 4 مليارات برميل مكافئ نفط هما (النوخذة-1) و(الجليعة-2).
ولفت إلى أن هذه الاكتشافات تأتي في سياق استراتيجية مؤسسة البترول الكويتية الطموحة التي تهدف إلى الوصول إلى 4 ملايين برميل يومياً من الطاقة الإنتاجية بحلول العام 2035 وهي استراتيجية تتطلب استثمارات ضخمة تقدر بنحو 300 مليار دولار.
وبين أن الكويت ومع هذه الاكتشافات الجديدة تخطو بثبات نحو تحقيق أهدافها وتعزيز دورها كقوة فاعلة في سوق الطاقة العالمي عبر زيادة احتياطياتها النفطية وتعزيز قدراتها الإنتاجية.
0 تعليق