لا تقتل البعوض..!

مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
(آنستنا وآنستكم الرحمة).. هذه كلمات يستخدمها الأهالي في غرب المملكة العربية السعودية عندما ينعم الله عليهم بنزول المطر، وقد حدث ذلك قبل ما يقارب الأسبوعين في مدينة جدة، أدخلت بحضورها السرور والبهجة على نفوسنا، لأنها أطالت في الغيبة فكان الاستقبال على قدر الشوق، وعقبت ذلك الحضور نسمات عليلة يراها ساكنو جدة بوادر الشتاء.. بينما هي مقارنة بأنحاء من مدن المملكة لا تدخل في دائرة السباق على درجات الحرارة التي شارفت على التصفير أو أقل من ذلك.. إنما نستطيع القول إنها تناسبنا ونناسبها بمعنى (على قدنا).

لكن.. هناك زائر غير مرحب به على الإطلاق يأتي إلينا بعد المطر، وتحديدا على سطوح التجمعات المائية التي تشكل بحيرات صغيرة داخل الأحياء وعلى الطرقات.. زائر يقتات على دمائنا حرفيا بكل وقاحة ودون استئذان، "الناموس" كما ندعوه و"البعوض" باسمه العلمي، هذا المدعو يجد مبتغاه في تلك البقع المائية التي تحولت إلى مستنقعات بفضل بقائها راكدة في مكانها، حيث إن إناث البعوض تضع البيض على سطح الماء الراكد الذي يفقس إلى يرقات متحركة تتغذى على الرواسب المائية والمواد العضوية، أو هذا ما تعلمناه في مادة الأحياء عن البعوض عندما كنّا على مقاعد الدراسة، لينتقل بعدها للعيش حول تجمعات المياه حتى يكون قريبا من أهدافه التي هي نحن في الواقع، تبدأ كتائبه في الغزو على بيوتنا والتركيز على أطفالنا فيتحولون إلى كائنات مرقشة بفعل اللسعات التي يخلفها وراءه، نصبح وبقدر سعادتنا بالمطر نحمل هم ما سيصيبنا بعده..

عبارة سمعتها في أحد اللقاءات جعلتني أعيد النظر في بعض القناعات عندي، تقول "لا تقتل البعوض.. بل جفف المستنقع..!" لو نظرنا لهذه العبارة بصورة تحليلية بسيطة لأدركنا واقعية الفكرة، فما هو الكم المتوقع الذي تستطيع أن تقضي عليه من البعوض وكم سيأتي بعده! وهل قتلهم سيؤدي إلى القضاء عليهم نهائيا، ناهيك عن الخلل الذي ستحدثه في دورة الحياة إذا تم القضاء على البعوض بشكل نهائي، فعلى الرغم من "رزالة" هذا الكائن إلا أن له دورا في دورة الحياة مهما.. أما تجفيف المستنقع فأمر أكثر سهولة حتى لو تطلب جهدا مضاعفا بنقل المواد التي ستؤدي إلى اختفاء المستنقع.. وبذلك نكون قد حققنا المراد وهو رحيل البعوض إلى منطقة أكثر بعدا يجد فيها ضالته.

هي المعادلة نفسها لو قيست على نظرتنا لما حولنا وما يمر بنا من عقبات، فالوقوف على أطراف المسائل والبحث في النتائج ثم العمل على إجراء تعديلات على النتائج نفسها دون الالتفات إلى المعطيات التي أدت لها يجعلنا نستمر في الدائرة نفسها التي أوجدناها سابقا.

كثيرة هي قصص الفاشلين، منهم من نجح بعد كم من العثرات، أما البقية فلم يكتب لها النجاح، وكثيرة هي قصص المحبَطين، ومنهم من تخطى إحباطه بعد لحظة إدراك ومنهم من لم يدرك بعد، وكثيرة هي قصص المجروحين ومنهم من داوى جروحه بعد صدمة إفاقة، ومنهم من قتله جرحه.. كل هؤلاء قتلوا عددا من البعوض فلم يفلح الأمر، فكان لا بد لهم من البحث عن المصدر، وعندما وصلوا قاموا بتجفيف المستنقع فنجوا.. ابحث عن مستنقعك قبل أن يأكلك البعوض.

eman_bajunaid@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق