محترف تضبيط السيناريوهات

مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
قادني لمكتبه الصغير، المدفون وسط الملفات، وهو يحسبني أحد العملاء "السقعلا"، بينما كنت أحاول فهم طبيعة عمله.

يشرح لي عن خصائص مهنته الجذرية في تضبيط وتعديل نصوص الدراما العربية، حيث يلجأ له أغلب أصحاب الأقلام الجديدة، وصناع الدراما الفنية لتضبيط أعمالهم، واللحاق بموسم رمضان الكريم، عارفين بقدرته على تضبيط السيناريوهات بكل الألسن العربية، فصيح بدوي خليجي مصري وشامي.

محترف يستطيع إنعاش قلب أي نص مهما كان متهالكا يجرب صاحبه حظه في سباق دراما رمضان، أو برامج المسابقات والمقالب بتنوعها.

الشغل حَامِي، والوقت حرج، ومن لا يلحق موسم رمضان يخسر الكثير، ويضطر لإهداء عمله مجانا لإحدى قنوات الظل بعد الموسم.

وخلال حديثه يقاطعنا بعض موظفيه يعرضون عليه نتاج عملهم، وهو يعطيهم الملاحظات والحلول، يجيز ويشطب، ويشرح لهم بلهجات خليط ممجوجة، وبطريقة تكاد تطلق ضحكاتي، وسط مسارات تلفيق أكاد أتخيل غرابة محتواها.

ثم يعود لينظر لي ويطمئنني متفاخرا: عندنا ستجد ما يسرك، ومهما كانت نوعية الأخطاء في عملك، بنائية سردية أو درامية، بل إننا نزيد جرعات التشويق في السيناريو، فنحن خبراء متفانون، نعيش في الظل لا نطلب أن تكتب أسماؤنا على "التاتر"، ناس غلابة، لا نسرق الأضواء، ونسعى لصالح الجميع، ونشترط فقط ضمان حقوقنا المادية.

ويتعمق في الشرح، بينما أعود بذاكرتي لمعظم أعمال رمضان.

وحينها يَلمح في عيني الشك، فيطمئنني مجددا: صدقني مكتبنا أفضل مكاتب إنشاء وترميم السيناريوهات، ونحن أبناء سوق، بمجرد معرفة اسم المخرج والقناة، نستطيع تخيل ما يريدونه، فنحن محترفو نفش ومط وتزيين الحلقات بمواقف الكوميديا والجذب وشد الشعر، والحزن، لمعرفتنا بما يجذب الجمهور من مواقف مضحكة مبكية ورومانسية، وعنيفة، وسوداء، والرزق يحتاج الخفة، ونحن ندرك تأثير تدخلاتنا حتى على أعداد المشاهدات.

ويؤكد بثقة: اذهب وجرب، وستعود لنا، فلمعلوماتك، نحن قادرون على معالجة عيوب مسلسلك مهما كانت، وأسعارنا الأفضل، ويمكننا توصيلك لشركات الإنتاج، تريد ممثلين بعينهم، تريد مغني أو راقصة، وحتى المنتجين، لنا طرقنا عليهم، وهم حبايبنا، ولا يؤخرون لنا طلبات.

فأهمس له مع ابتسامة خبيثة: عرفت الآن أسرار التشابه العظيم في الدراما العربية؟

فيبتسم بنظرة عتب: لا.. ليس لهذه الدرجة، فنحن متجددون نعمل على تغيير طرقنا، ومواهبنا، ونستخدم الذكاء الاصطناعي، ولا أظن التشابه المزعوم إلا مجرد توارد أفكار.

فأعتب عليه: ولكن المبدع الحقيقي هنا يضيع، ولا يتم إعطاؤه فرص التجريب والتفرد واكتشاف مواهبه في السرد وصناعة الدراما والكوميديا.

فينظر لعيني بريبة: أخشى أن تكون صحافي فضائح، يا عم صل عالحبيب، وخلك في حالك، الناس تلقط عيشها، ومن يمتلك الموهبة الأصيلة لا بد أن يتعب، ويعرف أهل القدر في السوق، وأن يضع يده بأيدي المبدعين أمثالنا، لتنمو موهبته، دون أن يعاند ويتوه، فأكثرية منافسينا لا يجيدون فنون الصنعة، وقدرة الاقتباس من مسلسلات تركية ومكسيكية وكورية وإسبانية، صناعتنا فريدة تُحترم، ومن يحاول التنمر على أهلها، سيندم ولن يجد له ولو دقائق معدودة على الشاشات المحترمة.

ثم يستعجلني: أين عملك الذي تريد تضبيطه؟

فأنظر من نافذة الفرج: أوه، نسيته بسيارتي كثيرة اهتزاز العجلات، وعسى أن أجد عندكم من يستطيع تضبيطها.. بالمرة؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق