اتجاه الصميم
لا نفتري حتى ولو افترى علينا الآخرون، ولا تأخذنا عزة الكبر فنخرج عن اللياقة، بل نتحدث بهدوء، ونقارب الأمور من موضعها الطبيعي، لهذا فإن تصريح وزير التجارة الأميركي، لا يمكن التعاطي معه من موقع التهويل، فهو أساسا اعتمد معلومات خاطِئة مئة في المئة، وكان أقرب إلى الشعبوية، أكثر منه تصريحا يحدد فيه إذا كانت هناك مشكلة بين دولتين.
ففي هذه النقطة بالذات إن العلاقات الكويتية- الأميركية أصلب كثيرا من قول أطلقه وزير، حتى لو كان مقرباً من الرئيس الاميركي، ومن خاصته السياسية.
ثانيا: ليست الكويت ناكرة للجميل، بل هي حافظة له، منذ وقت طويل، وتعمل وفق هذا المنظور، مع الولايات المتحدة تحديداً، فأغلب الاستثمارات الكويتية فيها، وهي من اولى الدول التي تستثمر ايضاً في سندات الخزينة الاميركية.
ثالثا: لن نعود الى الارقام التي سبقنا غيرنا في اظهارها على حقيقتها، خصوصا في ما يتعلق بتكلفة حرب التحرير، ففي هذا الشأن شطح الوزير كثيرا، الى حد ينم عن جهله بالحقائق، خصوصا قوله انها- اي الحرب- كلفت الولايات المتحدة مئة مليار دولار، فهي لم تدفع ذلك الرقم ابداً، بل ان دول "مجلس التعاون" الخليجي، وتحديداً السعودية والكويت، دفعت ما يزيد على 54 ملياراً، وكانت تكلفة الحرب، نحو 61 ملياراً، وبالنسبة الاقل، والتي لا تزيد على خمسة مليارات، دفعتها واشنطن، وفي المقابل اخذت عقود اعادة الإعمار.
رابعا: ان الرسوم الجمركية الكويتية موحدة على كل البضائع التي تستورد من كل انحاء العالم، وهي خمسة في المئة، وهذا ينفي قول الوزير إن هناك استغلالاً كويتياً لرفع الرسوم على البضائع الاميركية، بل عليه ان يعترف بأن الكويت تستورد من اميركا 3.4 مليار، وتبلغ صادراتها اليها 1.7 مليار، اي ان هناك خللاً كبيراً، وفيه ترجح الكفة لمصلحة واشنطن.
خامسا: في العلاقات الكويتية- الاميركية ليست هناك سياسة مواربة الأبواب، فالجميع يدرك ان المسارات مفتوحة على الصعد كافة، إمّا اذا كان الوزير هوارد لوتنيك يريد ان يسوق لفكرة ما، فإنه اخطأ في الباب الذي كان يريد طرقه، وإمّا اذا كان يريد البروباغندا الشعبية الاميركية، فهو أبحر بقارب مثقوب.
سادسا: من الواضح ان الادارة الاميركية الحالية تطلق الكثير من القنابل الدخانية في كل الاتجاهات، وتحاول ان تستفيد من ذلك باصطياد فوائد اثبتت الاشهر الماضية انها غير موفقة في ذلك، اكان في كندا او المكسيك او غرينلاند، او بنما، او غزة.
استنادا إلى ذلك، ما المطلوب من الكويت للرد؟
اولا: مخاطبة العقل الاميركي باللغة التي يفهمها، عبر فريق علاقات عامة كويتي يعرف المجتمع الاميركي خير معرفة.
ثانيا: اظهار الحقائق والارقام الواقعية، عبر عمل منظم، ومتقن، وفي وسائل الاعلام الاميركية.
ثالثا: الرد باللغة التجارية، وفق المواثيق والقوانين الدولية، والاميركية.
رابعا: الاخذ بعين الاعتبار ان المصالح الستراتيجية المشتركة بين البلدين اكبر بكثير من شطحات بعض الوزراء، او الديبلوماسيين، الحاليين او السابقين، لانه لو كان هذا التصريح من وزير او ديبلوماسي سابق، ايضاً، لكان التجاهل افضل.
خامسا: نعود الى ما سلف حول نكران الجميل، الذي المح اليه الوزير، فهو يدل على عدم إطلاع على الحقائق التاريخية، خصوصا ان الرجل الذي كان في المنصب الرئاسي الاول في واشنطن عندما تحررت الكويت، اي جورج بوش الاب، هو من الحزب الجمهوري الذي ينتمي اليه الوزير لوتنيك، والادارة الحالية الاميركية، ولم يسبق ان ذكر احد منذ العام 1991 حتى الامس القريب، الارقام التي ذكرها، ما يعني ان هذا القول من عندياته، وهذا خطأ، يمكن تداركه.
يبقى القول إن الكثير من الاقوال تطلق بين الحين والاخر، وعلينا ان ننتبه الى ما يخفى من ذلك الكلام، ولا نهتز، فالكويت تبقى هي الكويت التي لا يمكن لأحد استفزازها.
أخيرا... حفظ الله الكويت.
محام و كاتب كويتي
0 تعليق