عندما تشتري هاتفا فائق الذكاء بسعر يفوق إيجار شقة صغيرة، مزودا بالذكاء الاصطناعي الذي يعالج النصوص والصور والفيديوهات والملفات وتنغمس فيه أكثر؛ تكتشف أنه أصبح صديقك الوحيد. شاشة كبيرة، مواصفات مذهلة، وكاميرا تلتقط التفاصيل التي لن يلاحظها أحد. ولكن أين البشر؟ تقضي ساعات تحدق في الشاشة، تنتقل بين تطبيقات التواصل الاجتماعي التي تسميها "تواصلًا" بينما هي في الحقيقة جدار بينك وبين العالم الحقيقي. بل إنك مع سماعات الرأس اللاسلكية الفاخرة، تعيش في فقاعتك الصوتية، لا تسمع أحدا ولا يريد أحد مقاطعتك لأنهم يعرفون أنك "مشغول".
بفضل مزيد من المال، وعندما تختار السفر على الدرجة الأولى على متن الطائرة، تفر من فوضى الدرجة الاقتصادية وأصوات الأطفال الصاخبة. لكن ماذا تجد هناك؟ مساحة واسعة، شاشة ضخمة، وقائمة طعام بأسماء لا يمكنك نطقها. لكن لا يوجد بجانبك أي شخص عشوائي يتبادل معك أطراف الحكايات أو يتذمر من الطيران أو يشكو لك ارتفاع الأسعار، أو يتحدث عن صعوبات في العمل يوجهها، أنت لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم مع أحد. إنها عزلة باردة، حيث يصبح الحوار الوحيد مع المضيفة التي تبتسم كجزء من وظيفتها.
عندما تجلس في مطعم فاخر، تظن أنك تعيش حلم الذواقة والطعام الفريد الذي لا يتكرر، والـ"تست" الذي يتميز به هذا عن ذاك، لكن بدلا من الاستمتاع بالطعام أو الحديث مع من حولك، تجد نفسك محاطا بأناس يحدقون في أطباقهم أو يلتقطون الصور لطعامهم لنشرها على إنستغرام. حتى النادل يبدو وكأنه يؤدي عرضا مسرحيا ابتسامة مصطنعة، نكتة باردة، ما تلبث أن تراه مع زميله متجهما وربما غاضبا لأنه من الصباح الباكر واقف على قدميه. هذه المطاعم ليست مكانا للتواصل، بل مجرد مسرحية مزيفة لبيع تجربة باردة مغلفة بالفخامة. بينما في المطاعم الشعبية، الجميع يكلم الجميع، وتسمع أصوات الناس والأسر وتشعر بالفرحة بالطعام وتصطك الكراسي ببعضها لكن مع بهجة حقيقية ولا شيء مصطنع أو مزيف، ولن يدفع أحد جزءا من قوت يومه إن لم تكن البهجة الجماعية مع أسرته عنوانا كبيرا لهذه الرحلة!
عندما تشتري سيارة فاخرة، تختار ترك وسائل النقل العامة وراءك. لا تسمع حكايات عفوية من راكب بجوارك، ولا قصصا من السائقين، ولا تسمع شكاوى الناس من يومهم، فقط أنت ومقعدك الجلدي المصنوع يدويا، وأنظمة التحكم الذكية التي تجعل القيادة أكثر "راحة" وأقل بشرية، وأقل اختلاطا ومزيدا من العزلة الممزوجة بالصمت الطويل!
وأخيرا، مع المال تأتي أحدث الأجهزة التكنولوجية: سماعات في رأسك تقطع عنك أصوات العالم بأكمله، شاشات تلفاز عملاقة تبقيك في المنزل، وأجهزة الواقع الافتراضي التي تجعلك تعيش في عالمك الخاص دون الحاجة إلى التعامل مع أي شخص. نعم، أنت تملك التكنولوجيا، لكنها تملكك بالمقابل، وتبعدك عن العالم الحقيقي.
في النهاية، لاحظ بعض المشاهير مؤخرا كيف عادوا للناس، والتصوير مع الجموع، وتوزيع الجوائز المالية من أجل أن يكونوا طبيعيين وقريبين من الناس بعد أن أعيتهم العزلة وآذاهم المال الذي زادهم بعدا عن الناس!
0 تعليق