لهذه الأسباب سيؤدي «تنمّر» ترامب إلى نتائج عكسية

الكويت 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

استعرض الكاتب الصحافي الأميركي الشهير، توماس فريدمان، في عموده الصحافي المنشور أمس الأول في «نيويورك تايمز»، تحت عنوان: «لماذا ستؤدي استراتيجية ترامب بالترهيب إلى نتائج عكسية؟»، الأسباب التي ستؤدي الى فشل سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاقتصادية، خصوصاً استراتيجية الترهيب والإكراه الاقتصادي عبر فرض الرسوم الجمركية وغيرها من الإجراءات الحمائية.

ورأى فريدمان، في المقالة التي بدأها بسطر من أغنية «ريفلوشن 1» لفريق البيتلز: «تقول إن لديك حلًا حقيقيًا. حسنًا، كما تعلم، نحن جميعًا نحب أن نرى الخطة»، أن أخطر شيء فيما يفعله ترامب باستراتيجيته التي تفرض الرسوم الجمركية على الجميع هو أنه ليست لديه أدنى فكرة عمّا يفعله، أو كيف يعمل الاقتصاد العالمي، حيث إنه يختلق الأمور فيما يمضي قُدمًا ونحن جميعًا نركب معه في هذه الرحلة.

وإذ ذكّر بدعمه للرسوم الجمركية التي فرضها ترامب وسلفه جو بايدن على الصين، قال فريدمان إنه موافق على التعريفات الجديدة إذا كانت مجرّد خداع من ترامب لجعل الدول الأخرى تتعامل مع واشنطن بالمثل، لكنّه أشار الى أن ترامب لم يكن واضحًا أبدًا، ففي بعض الأيام يقول إن الرسوم تهدف لزيادة الإيرادات، وفي أيام أخرى يقول إنها لإجبار الجميع على الاستثمار في أميركا، وفي أوقات أخرى يقول إنها لمنع دخول مخدر الفنتانيل. ويتساءل فريدمان: «إذن، ما هو الهدف؟»، مضيفاً: «كما غنى البيتلز، أود أن أرى خطة يمكنها أن تكون على هذا الشكل: هكذا نعتقد أن الاقتصاد العالمي يعمل اليوم، لذلك، ولتعزيز دور أميركا، نعتقد أننا بحاجة إلى خفض الإنفاق، وفرض الرسوم الجمركية، والاستثمار، ولكل ذلك نتخذ الإجراءات ألف، وباء، وجيم».

ويشدد الكاتب الأميركي على أنه بدل إظهار القيادة الحقيقية، يهدد ترامب بفرض رسوم جمركية على الخصوم والحلفاء على حد سواء، دون أي تفسير مُرضٍ عن سبب استهداف أو استثناء بعض الدول، متجاهلا كيف يمكن أن تؤذي هذه الرسوم الصناعة والمستهلكين الأميركيين، وواصفاً ما يقوم به بأنه «فوضى كاملة»، ويستشهد بقول «شجاع» لرئيس شركة فورد موتور، جيم فارلي: «لنكن صادقين: على المدى الطويل، فإن رسومًا جمركية بنسبة 25 بالمئة على حدود المكسيك وكندا ستُحدث ثغرة في الصناعة الأميركية لم نشهدها من قبل».

وبالتالي، يقول فريدمان، فإن ترامب إمّا يريد أن يخلق هذه الثغرة في الاقتصاد، أو أنه يخادع، أو أنه لا يعرف ما يفعل، وإذا كان الخيار الأخير هو الصحيح، فسوف يحصل على درس قاسٍ في حقائق الاقتصاد العالمي كما هي، وليس كما يتخيلها.

ويشير في هذا الشأن الى الاقتصادي في جامعة أكسفورد، إريك بينهوكر، الذي لخّص بعض هذه الحقائق بعبارة بسيطة: «لا توجد دولة في العالم يمكنها وحدها صنع جهاز آيفون»، ويشرح فريدمان أنه لا توجد دولة أو شركة واحدة على وجه الأرض لديها كل المعرفة أو الأجزاء أو القدرة التصنيعية أو المواد الخام التي تدخل في صناعة جهاز آيفون الذي تضعه في جيبك.

ويوضح أن شركة أبل تقول إنها تجمّع أجهزة آيفون وأجهزة الكمبيوتر والساعات بمساعدة «آلاف الشركات وملايين الأشخاص في أكثر من 50 دولة ومنطقة» يساهمون «بمهاراتهم ومواهبهم وجهودهم لمساعدتنا في بناء وتوصيل وإصلاح وإعادة تدوير منتجاتنا».

ليس هناك اقتصاد أميركي

ويقول: نحن نتحدث عن شبكة ضخمة من المنظومات الاقتصاية (ecosystem) التي نحتاجها لجعل هذا الهاتف رائعا وذكيا ورخيصا، وهذه هي نقطة بينهوكر، الفرق الكبير بين العصر الذي نعيش فيه الآن، مقارنة بالعصر الذي يعتقد ترامب أنه يعيش فيه، هو أن اليوم لم يعد الأمر يتعلق بـ «إنه الاقتصاد، يا غبي»، كما كان خلال عصر بيل كلينتون، أما اليوم، فقد أصبح الأمر: «إنها المنظومات الاقتصادية، يا غبي».

وينقل عن بينهوكر، الذي يشغل أيضا منصب المدير التنفيذي لمعهد التفكير الاقتصادي الجديد في كلية أكسفورد مارتن، قوله إنه «لم يعد هناك شيء يمكن أن نسميه الاقتصاد الأميركي بشكل ملموس وحقيقي. هناك فقط هذه الخرافة المحاسبية التي نسميها الناتج المحلي الإجمالي الأميركي».

ويضيف: «بالطبع، هناك مصالح أميركية في الاقتصاد. هناك عمال أميركيون. هناك مستهلكون أميركيون. هناك شركات مقرها أميركا. لكن لا يوجد اقتصاد أميركي بالمعنى المعزول. حينما كنت أنت تصنع النبيذ وأنا أصنع الجبن، وكان لديك كل ما تحتاجه لصنع النبيذ، وكان لديّ كل ما أحتاجه لصنع الجبن، وكنا نتبادل التجارة، مما جعلنا أفضل حالًا، كما علمنا آدم سميث تلك الأيام ولّت منذ زمن»، إلا في عقل ترامب، و»بدلًا من ذلك، أصبحت هناك شبكة عالمية من المنظومات الاقتصادية والتجارية والتصنيعية والخدمية»، كما يوضح بينهوكر، مضيفا أنه «هناك منظومة اقتصادية للسيارات، ومنظومة اقتصادية للذكاء الاصطناعي، وأخرى للهواتف الذكية ولتطوير الأدوية أو لصناعة الرقائق»، والأشخاص والأجزاء والمعرفة التي تشكل هذه المنظومات تتنقل بين العديد من الاقتصادات.

إنها معقدة للغاية

ويستشهد فريدمان بخبر نشرته الإذاعة الوطنية العامة (NPR) عن صناعة السيارات جاء فيه «قام صانعو السيارات ببناء سلسلة توريد ضخمة ومعقدة تمتد عبر أميركا الشمالية، حيث تعبر الأجزاء الحدود ذهابًا وإيابًا خلال عملية تصنيع السيارات. بعض الأجزاء تعبر الحدود عدة مرات، مثل سلك يتم تصنيعه في الولايات المتحدة، ثم يُرسل إلى المكسيك ليتم تجميعه مع مجموعة من الأسلاك، ثم يعود إلى الولايات المتحدة ليتم تركيبه في قطعة أكبر من السيارة مثل المقعد، ليقول إن ترامب يتجاهل كل هذا، ويصرح للصحافيين بأن الولايات المتحدة لا تعتمد على كندا، مؤكدا أنه في الواقع، نحن بحاجة إليهم، والحمد لله على ذلك. فهذا لا يمكننا فقط من صنع سيارات أرخص، ولكن أيضًا أفضل. كل ما كانت تفعله سيارة موديل T هو نقلنا من نقطة إلى أخرى أسرع من الحصان، ولكن السيارات اليوم توفر لنا التدفئة والتبريد والترفيه من الإنترنت والأقمار الصناعية، ويمكنها توجيهك وقيادة نفسها نيابة عنك، وهي أكثر أمانًا بكثير. عندما نتمكن من الجمع بين المعرفة المعقّدة والأجزاء المعقدة لحل المشكلات المعقدة، ترتفع جودة حياتنا. لكن هنا المشكلة. لم تعد تستطيع صنع الأشياء المعقدة وحدك. إنها معقدة للغاية.

الرقائق الدقيقة

وينقل فريدمان عن مقال نشر عام 2021 على موقع كلية ييل للصحة العامة، توضح فيه رئيسة قسم الأمراض المعدية الناشئة في منظمة I.A.V.I، (وهي منظمة بحثية علمية غير ربحية)، سواتي غوبتا، كيف تم تطوير لقاحات mRNA لفيروس كورونا في وقت قياسي، موضحة أنه «عادةً ما تستغرق اللقاحات من 10 إلى 20 عامًا لتطويرها، ويمكن أن تصل تكاليف البحث والاختبار بسهولة إلى مليارات الدولارات. لذا، فإن السؤال الطبيعي في ضوء جائحة كوفيد - 19 هو: كيف تم تطوير اللقاحات المتاحة حاليًا بهذه السرعة؟... كان هناك تعاون عالمي غير مسبوق من خلال شراكات منسقة بين الحكومات والصناعة والمنظمات المانحة والمنظمات غير الربحية والأوساط الأكاديمية.... هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها تحقيق ما شهدناه في العام الماضي، حيث لم يكن بإمكان أي مجموعة أن تفعل ذلك وحدها».

ويقول الكاتب الأميركي إن الشيء نفسه ينطبق اليوم على أكثر الرقائق الدقيقة تقدمًا. يتم تصنيعها الآن من خلال منظومة اقتصادية عالمي: AMD، كوالكوم، إنتل، أبل، وإنفيديا تتفوق في تصميم الرقائق. سينوبسيس وكادينس تبتكر أدوات وبرامج تصميم بمساعدة الكمبيوتر المتطورة التي يستخدمها صانعو الرقائق لرسم أحدث أفكارهم. أبلايد ماتيريالز تبتكر وتعدّل المواد لصنع مليارات الترانزستورات والأسلاك المتصلة في الرقاقة. ASML، وهي شركة هولندية، توفر أدوات الطباعة بالتعاون مع كارل زايس SMT، وهي شركة ألمانية متخصصة في العدسات البصرية، التي ترسم النقوش على رقائق السيليكون من تلك التصاميم. لام ريسيرتش، KLA، وشركات من كوريا الجنوبية إلى اليابان وتايوان تؤدي أيضًا أدوارًا رئيسية في هذا التحالف.

كلما دفعنا حدود الفيزياء وعلوم المواد لتكديس المزيد من الترانزستورات على الرقاقة، قلّت قدرة أي شركة أو دولة على التفوق في جميع أجزاء عملية التصميم والتصنيع. أنت بحاجة إلى المنظومة الاقتصادية العالمية بأكمله.

تقسيم المعرفة بدل تقسيم العمل

ويروي فريدمان استيقاظه في الصبح المبكر لعيد الميلاد عام 2021 لمشاهدة إطلاق تلسكوب جيمس ويب الفضائي لاستكشاف الفضاء العميق، موضحاً أنه وفقًا لوكالة ناسا، فإن «آلاف العلماء والمهندسين والفنيين المهرة من 309 جامعات ومختبرات وطنية وشركات، بشكل رئيسي في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا، ساهموا في تصميم وبناء واختبار ودمج وإطلاق وتشغيل تلسكوب ويب».

ويضيف: حدد آدم سميث (مؤسس علم الاقتصاد اللاسيكي في القرن الـ 18) مفهوم تقسيم العمل، وهذا بالتأكيد مهم، فيمكنك على سبيل المثال صنع المزيد من الدبابيس بعمال أقل إذا قمت بتقسيم العمل بشكل صحيح، كان ذلك رائعًا، كما يلاحظ بينهوكر، مضيفاً: «لكن المحرك الأقوى هو تقسيم المعرفة. هذا هو المطلوب لصنع أشياء أكثر تعقيدًا من الدبابيس. عليك أن تستفيد من تقسيم المعرفة، وتقسيم الخبرة».

ويوضح بينهوكر انه إذا تراجعت خطوة إلى الوراء ونظرت إلى المسار الكبير للتاريخ الاقتصادي، فهو في الحقيقة قصة توسيع شبكات التعاون لاستغلال ومشاركة المعرفة لصنع منتجات وخدمات أكثر تعقيدًا تمنحنا مستويات معيشية أعلى وأعلى. وإذا لم تكن جزءًا من هذه المنظومات الاقتصادية فلن تزدهر بلدك.

وينقل فريدمان عن بينهوكر قوله إن الثقة هي المكون الأساسي الذي يجعل هذه المنظومات الاقتصادية تعمل وتنمو، يشرح فريدمان أن الثقة تعمل كغراء وزيت، فهي تلصق روابط التعاون معًا، وفي الوقت نفسه تزيد تدفقات الأشخاص والمنتجات ورأس المال والأفكار من دولة إلى أخرى، مستنتجا أنه إذا أزلت الثقة، تبدأ المنظومات الاقتصادية في الانهيار.

ويتابع أن الثقة تُبنى بالقواعد الجيدة والعلاقات الصحية، وترامب يدوس على كليهما، والنتيجة إذا استمر في هذا الطريق، هي أنه سيجعل أميركا والعالم أفقر. ويختم: «سيدي الرئيس... قم بواجبك».

أخبار ذات صلة

0 تعليق