أحمد الجارالله
نعيش هذه الأيام في أجواء مباركة، وطنية بامتياز، أكان العيد الوطني وما له من دلالات كبيرة، أو ذكرى التحرير، وما تحتاج إليه من خطوات جبارة كي تكتمل عبر القضاء على سلبيات تركتها مرحلة القلق الوطني والاجتماعي.
لكن ما يمنح هذه السنة رونقها شمس القيادة السياسية التي أشرقت على الكويت وأهلها، وما أنجزته خلال العام المنصرم من قواعد واضحة لتأصيل معاني الإصلاح، والعودة إلى الريادة التي طال انتظارها، ومن دون أي محاباة.
صحيح أنه في العقود الستة الماضية شهدت الكويت الغث والسمين، والكثير من الأحداث، غالبيتها سلبية، فيما المشرق منها قليل، خصوصاً منذ التحرير إلى الأمس القريب، وكل هذا بدأ النظر فيه برؤية ثاقبة، من قيادة مدركة أن عليها الكثير لتذليل الصعوبات الموروثة من عقود سابقة، بدءاً من الفساد الذي استشرى في معظم المؤسسات، وما تركه من هدم لمعنى الإدارة الحديثة، وصولاً إلى دفن الهوية الوطنية تحت ركام المصالح الخاصة.
في العام الماضي، عاشت البلاد أيضاً العديد من الإنجازات المسجلة للقيادة السياسية، أكان منها سعيها إلى العمل على ورشة تعديل قوانين، أو وضع تشريعات حديثة تصب في مصلحة الوطن والمواطنين، وكذلك تنقية الهوية، وكشف المزورين والمزدوجين، وما تسببوا به من خراب مؤسسي، وكذلك إطلاق ورشة إعمار بدأت بتحسين الطرق والشوارع، وصولاً إلى "ميناء مبارك"، هذا المشروع الحيوي للبلاد والمنطقة.
هذه الإنجازات تزامنت مع عودة إحياء الدور الإقليمي والدولي، وحضور الكويت في المحافل العالمية، وهي إيجابيات لا يمكن التغاضي عنها، كذلك الانفتاح، بعدما كانت البلاد مقفلة، وكأنها جنة عدن لا يدخلها إلا من رضي عنه بعض المسؤولين الذين عاثوا تخريباً في المؤسسات، وهذا بالطبع كبّل الكويت، إذ تسبب في طرد الاستثمارات الخارجية، وعدم التشجيع على إنفاق رؤوس الأموال المحلية لتنشيط الاقتصاد الوطني.
هذا الانفتاح كانت الإشارة الأولى له "دورة كأس خليجي 26"، إذ كانت مناسبة لتأكيد أن الكويت عادت واحة للخليجيين والعرب الذين يرون فيها أرض السلام والثقافة والفنون والتسامح.
ما نشهده اليوم ليس إصلاحاً مجتزأ، إنما هو خطوات مدروسة قائمة على ستراتيجية أن الإنسان هو عماد التنمية وصانع المستقبل، ولذا الاهتمام فيه لا يكون مجرد شكليات، أو شعارات، إنما يبدأ من تشجيع المواهب، والأعمال والمشاريع، لكي تكون بذرة صالحة للمزيد من اكتشاف الجواهر الوطنية.
أيضاً من الإنجازات إحقاق الحق، خصوصاً لمن ظُلموا في السابق، إما نتيجة أخطاء مسؤولين، أو جراء وقوعهم ضحايا بعض المرتشين، لذا كان إنشاء لجنة للتظلمات من سحب وإسقاط الجنسية، كي يُنظر في ملفاتهم بعدل وإنسانية، كما وعد أمير الحزم والعزم.
أن يتحقق كل هذا في غضون سنة واحدة، فذلك يعني أن المتابعة اليومية من قيادة حكيمة تؤسس لكثير من الانضباط في السلوك الإداري، الذي لا بد من العمل على إصلاحه كاملاً، فالكويت ليست ضعيفة، إنما كانت واقعة تحت ضغط الفاسدين والمتنفذين أصحاب نظرية "الغاية تبرر الوسيلة"، لهذا رأينا الغث، فيما كنا منذ زمن ننتظر السمين، إلا أن الأمر تأخر، حتى سطعت شمس القيادة الحالية.
في هذا الشأن، ثمة مقولة تاريخية، وهي أن "الطريقة الأولى لتقييم حكمة الحاكم، هي النظر إلى الرجال المحيطين به"، وهو ما نراه اليوم في نخبة اختارها صاحب السمو الأمير لمتابعة تحقيق آماله التي هي طموحات الشعب الكويتي.
فهذا الاختيار يحدد ما تسير إليه الكويت في مستقبل مشرق، لأنه مؤسس على حاضر فيه الكثير من الجهود الأميرية الكبيرة، والمتابعة الحثيثة، لتحقيق الإصلاحات بسرعة، لكن ليس بتسرع.
ولعل السنة المقبلة تكون الثمار أينعت، ويشهد الكويتيون المزيد من الطموحات التي وعد صاحب السمو بإنجازها لتكون الاحتفالات في 2026 تعبيراً أكيداً عن التخلص مما تركته ستة عقود لم تستند إلى رؤية إصلاحية واقعية كما نشهد اليوم.
0 تعليق