يجتهد بعض الباحثين في أصول اللغات واللهجات، ومن لين هذه، ومن اذن تلك، وكيف تجمعت لغة واحدة لمجتمعات اختلفت بينهم الأحوال والمعيشة والاطباع، ثم تجمعهم لغة، او لهجة واحدة، فالباحثون أتعبوا انفسهم في البحث وسبر الغموض، ونبش الاصول، والانساب والالقاب.
الله خلق البشر وجعلهم طوائف وشيعاً، لكن تلك الطوائف كان عليها ان يفهم بعضها بعضا، فبالاشارة والحركات، وربما بحكم بعض المقتضيات والحاجات، لكن هذا لا يعني ابد الدهر ان يفني الانسان حياته للتفاهم والمخاطبة بالاشارة مع الاخرين.
لذا، ان حاجة الانسان للغة لم تكن ترفاً، فالانسان بطبعه اجتماعي والعلاقات لا تبنى الا من خلال اللغة، المحكية والمخاطبة الفصحى، وكلما كانت اكثر وضوحاً، وفصاحة كلما سهلت على بني البشر التقارب والتفاهم، ولعل في زمننا الحاضر، في عصر التكنولوجيا الجامحة، العابرة للكثير من اللغات، خصوصاً لغات الدول الفقيرة والمتخلفة، التي لم تستطع مواكبة العصر، فهذه الدول في يوم من الايام وقد محقت لغاتها، ومحت عاداتها المتوارثة.
نحن اليوم نعاني من المدنية السريعة، وتنقلاتها السريعة من مجتمعات متقدمة ومبدعة ومبتكرة، الى المجتمعات الاقل تقدماً، فنجاح الدول وقوتها ليس بجمود الفكر و"قرأ وزرع"، انما التحدي الاكبر بخلق شيء من لا شيء، وابتكار كل جديد ومبدع، أليس هذا إعجاز وإبداع لمنفعة الانسان؟
من هنا ينبغي القول إن لهجتنا الكويتية، لم تعد كويتية، ولا لغة تقوم على العربية الفصحى، واللهجة الشبيهة التي يتعلمها الاطفال من ابائهم وامهاتهم في البيت، انما لغة حاملة على مصطلحات لم تعد مفهومة في البيت الواحد والاسرة الواحدة، فلقد ادخلت على لهجتنا الكثير من الرطينة من خلال بوابات لغوية طارئة كجهاز الحاسوب ومنصات لعرض الافلام.
وفي البيت الكويتي هناك اكثر من لغة ولهجة، فأطفالنا يتلقون من الخادم او الخادمة والسائق الكلام، انت في كل يوم منذ الصباح تسمع لغات هجينة، لا هي كويتية و لا عربية او اجنبية، انما الهندية او السريلانكية او البنغالية، مثلا، والفلبينية على الاعم.
نحن نتعامل بكمّ من اللغات واللهجات، وانت مجبر على ذلك، ليست رغبة، لكنه واقع لحاجة، لكي توصل مبتغاك على نحو سليم الى الخدم والسائق، وغيرهما، فنحن دولة، او مجتمع، يقوم على تحقيق حاجاته بايد اجنبية، سواء كان ذلك في المنزل او السوق.
هناك الكثير من الباحثين الذين انفردوا بشرح اللهجة الكويتية، خوفاً من طغيان لهجات ولغات ومفردات دخيلة أُدخلت على اللهجة الاصيلة، ولعلي اذكر في هذا السياق الباحث الشعبي والفنان التشكيلي ايوب حسين الايوب، رحمه الله، والباحث الموسوعي حمد سعيدان، وخالد سعود الزيد وغيرهم من المهتمين والباحثين في التراث الكويتي.
علينا ان نعترف بأن اللهجة الكويتية كأي لهجة، او "لغة"، ادخلت عليها الكثير من لغات ومصطلحات، عربية او اجنبية، وهذا لا يعيب، فاللهجة الكويتية في الاصل كانت لهجة هجينة من جموع لغات عربية وهندية وفارسية، واخرى، فالكويتيون المؤسسون جاؤوا كلا بلغته وعاداته وثقافته.
العالم يكاد يتحدث لغة واحدة هي لغة الكمبيوتر، ان البكائين على ضياع اللهجة الكويتية، لا شك يبكون على زمن كان وانجلا، فلا بقيت اللهجة كويتية النقية، لا لهجة اهل الجبلة، واهل شرق والمرقاب، ولا فيلكا، او لهجات اهل البادية والقروية، هناك اليوم لغة واحدة هي لغة عالمية وحضارة جامحة، لن تستطيع اي قوة التصدي لها، وهي قوة عالمية واحدة ولغة واحدة!
نحن جميعاً تورطنا بلغة تحتاج الى تعريف، او اسم جديد، او موسوعة، لذا ماذا يهم اذا قال أهل "الجبلة" "شكر" (شكر) بكسر الشين، او قال اهل شرق "شكر" بفتح الشين.
هذا اللي ازعجكم، شوفوا لغة عيالكم من الجيل الحالي والاجيال القادمة، بعد ذلك قولوا على اللهجة الكويتية ما تقولوا!
صحافي كويتي
0 تعليق