استطاعت أن توظف مواهبها وإمكاناتها وملكاتها في سبيل القيم العليا
هذه المرة كان الملتقى، في معهدها الأول، وجامعتها الأثيرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، وقراءة في حياة امرأة عربية بامتياز، واحتفاء بعطائها الإنسانيّ المتجدد، ودرس لولائها لقيم العروبة، وقضاياها العادلة.
وكانت رحلة الشيخة الدكتورة سعاد الصباح طويلة في دعم العلم والتعلم، مرافق ومنشآت، ومنح شاملة لباحثي الدكتوراه المصريين، في أرقى جامعات العالم، كثير منهم يشغل مناصب مرموقة، والتكفل بكثير من طلبة فلسطين الدارسين في مصر، لذا كان يجدر أن تتحلق نخبة من العلماء والدارسين حول السيرة والمسيرة.
الندوة الثقافية الاحتفائية، التي عقدت في صباح مشمس من صباحات القاهرة، حظيت برعاية عميدة كلية الاقتصاد حنان محمد علي حسن، ومشاركة علي الدين هلال، وأحمد يوسف، وعلي المسعودي، مدير دار سعاد الصباح، و ممدوح إسماعيل، ورؤساء الأقسام، هالة أبو علي، أماني مسعود، والأديب يوسف القعيد، والناقد وصفي ياسين، وخالد صقر، ونهال هاشم، إضافة إلى الحضور اللطيف لطلبة الكلية.
في الحقيقة لا يمكن اختزال التجربة الحيوية والأدبية والعلمية للشاعرة سعاد الصباح في بعد واحد، فالأبعاد متعددة ومتضافرة، وتصنع جمعيا نموذجا متفردا لسيدة عربية، استطاعت أن توظف مواهبها وإمكاناتها، وملكاتها، في سبيل القيم العليا للإنسان، الحق والعطاء والجمال، وأسمى أسلحتها هي الكلمة، فهي تقدر دور الكلمة عامة، والكلمة الشاعرة خاصة، حين تكون رفيقا أمينا للإنسان في كل أحواله، وأولاها بالعناية، حال المحنة، فتغدو بلسما، وضمادا للجراح النازفة، تخاطب القلم ذلك الرفيق الأثير، فتقول:
"أنت في المأساة تحتملُ الآلام عنّي وإذا ما ابتَسمَ الدهرُ أُغنّي فَتُغنّي".
إن الناظر في التجربة الأدبية الكبرى لسعاد الصباح، يجد أن مرت مراحل، واشتبكت مع تجارب فنية متجددة، تأثرت فيها بتيارات ومدارس وأثرت في أجيال تالية، وامتدت لتزيد عن الخمسين عاما، وتتكشف له عن الرسالة الإنسانية التي صاحبت التجربة، وقد ولّت وجهها نحو جهات واضحة:
جهة الانتماء الوطني لبلدها الكويت، والأسرة الحاكمة فيها، وأهل الكويت وميراثهم الاجتماعي والخلقي الأصيل، تدلّ على ذلك - ضمن دلائل ناصعة - دراساتها الرصينة التي زادت عن العشرين، توثيقا وتأريخا وتحليلا، في تاريخ الكويت وأحوالها الاجتماعية والاقتصادية، أما الشعر فيستأثر الوطن بدواوين كاملة، مثل "برقيات عاجلة إلى وطني" 1990، "قراءة في كف الوطن" 2017.
جهة العروبة، وهي هنا، تسير على الدرب نفسه الذي عبّده زوجها الراحل الشيخ عبد الله مبارك الصباح (ت. 1991م) نائب الحاكم بالكويت خلال الخمسينيات، فقد ألغى تأشيرات الدخول للعرب، وكان يسمي كل بيت سكن فيه باسم "قصر العروبة"، وكتب على علم الكويت عبارة "الكويت بلاد العرب"، ويمكن تتبع هذا الأثر العروبي في قصائد عديدة للشاعرة سعاد صباح، مثل: "صيحة عربية"، و"عندما رحل عبد الناصر"، و"جواد عربي".
جهة المراثي، ومراثي الابن البكر منها في الصدارة، فأصدرت ديوان "إليك يا ولدي" وصدرت طبعته الأولى في العام 1982، واختص برثاء ولدها البكر، وقد عاجلته المنية في عمر الورود، وعمره اثنا عشر عاما، وكذلك مراثي زوجها الشيخ عبد الله مبارك الصباح "آخر السيوف".
_ جهة الحب، رومانسيا كان أم متمردا، ومن أجلى الدواوين تجسيدا لها، هو ديوانها الصادر في عام 1971 بعنوان " أمنية" و ديوان "فتافيت امرأة" 1985، وديوان "قصائد حب" 1992.
جهة الإنسان وحقوقه، وسائر قضاياه، على تعدد الأزمنة، واتساع الأمكنة، وكانت حقوق المرأة أولى القضايا بالاهتمام والعناية بطموحاتها، ومواجهة الأعراف والتقاليد القاسية المفروضة عليها، وتوزعت على عدة دواوين، مثل ديوان "في البدء كانت الأنثى" 1988، و"امرأة بلا سواحل" 1994.
د.إيهاب النجدي
0 تعليق